المستفيدون من صراعات المنطقة..!
يود المرء لو يسأل المنخرطين في كل أنواع الخطابات التقسيمية في المنطقة عن فائدة واحدة يجنونها من ترويج هذا الخطاب. في الحقيقة، أثبتت التجربة بسيول الدم أن خطاب الكراهية يرتد على صاحبه بالخراب الحتمي. فالكراهية تولّد الحرب، أو الحرمان من ثمار التعاون والسلام على الأقل. ولا بد أن يصبح صاحب خطاب الكراهية نفسه هدفاً لكراهية الآخرين، وربما بنادقهم.
حتى وقت قريب، كانت القسمة الإقليمية الرئيسية هنا هي العرب في مقابل كيان الاحتلال في فلسطين. وقامت تلك القسمة على تناقض أساسي بين مصلحتين متعارضتين لا لقاء بينهما، لأن المشروع الصهيوني في فلسطين استعماري ورجعي وغير إنساني بطبيعته، ومتناقض مع مشروع التحرر والتقدم العربي. وقد خلّف ذلك الصراع الذي فُرض على المنطقة، بغض النظر عن وجاهة أسبابه، ويلات لا حصر لها.
الآن، تم استبدال ذلك التناقض الأساسي بواحد جديد فرعي: إسلامي، سني-شيعي. وللأسف، ينشط طرفا القسمة في تسعير النزاع المدمر والمعيق لكليهما بوضوح. والمستفيدون الواضحون مثل الشمس من هذا الصراع هم مشروع الاستعمار في فلسطين. وليس هذا اكتشافاً ولا معلومة جديدة، لكنّ الكثيرين يتجاهلونه أو يعتبرونه "نظرية مؤامرة".
حسناً! المصلحة الواضحة للكيان في الصراع الداخل-إسلامي السني/ الشيعي، هي أنه مُنح فرصة تاريخية للخروج من معادلة النقيض، وعرض نفسه كحليف للعرب السنة الذين لم يعودوا يخجلون من المجاهرة بالتطبيع. وقد أصبح الحديث عن هذا التحالف غير المجيد مع كيان وحشي، والذي جُعل "وجودياً" ومرادفاً للحياة نفسها، مكشوفاً ورائجاً ويمر بعادية كبيرة وكأنه حتمي، بينما اختفى منطق التناقض مع العدوان والاحتلال وما يمثلهما، كفكرتين غير إنسانيتين، غير أخلاقيتين، ومهددتين جداً.
والمصلحة الأميركية من قسمة المنطقة كبيرة جدا. وتحت السطح، تتجنب أميركا مواجهة إيران بجدية، لأن وجود إيران قوية نسبياً تتبنى نفس خطاب الكراهية وتتحدث عن طموحات توسعية، هو هبة إلهية لمشروع الأتاوة الأميركي ولتطبيع ربيبتها "إسرائيل" في المنطقة. ولذلك، سيكون دخول الولايات المتحدة في صراع مباشر مع إيران، حتى في حال ضمان تحطيم النظام الإيراني، خسارة، لأنه سيقصي "بعبعاً" هائل الفائدة. بل إن الولايات المتحدة تراقب بسعادة القسمة الجديدة السنية-السنية في المنطقة، كتفريخ للقسمة الرئيسة. وهي لا تتدخل للمصالحة، وتستفيد بوضوح من العداء الذي يدفع الأطراف إلى مزيد من التمسح بها بالذات. وباختصار، لا بد أن يذكر أي تحليل لوجهات المنطقة العامل الأميركي الحاسم في تحديدها. فإذا كانت تذهب إلى الخراب، فإن نية الفاعل الرئيسي واضحة.
منطقياً، المشتركات مع إيران، الشيعية المسلمة، لا تقارن بأي "مشتركات" يمكن ابتكارها مع الغرب والكيان النقيضين على طول الخط. ولو كان طرفا الإسلام المنبثقان من نفس المنبع عاقلَين، لاشتغلا على التعاون والسلم الإقليميين وجني ثمارهما، بدلاً من هدر المال والجهد والطاقة والأعصاب، بل والدم، على صراع فيه الجميع خاسرون. وكما يعرف هذا الجيل، لم يكن موضوع سني-شيعي، أو عربي-فارسي يخطر ببال أحد قبل عقود قليلة فحسب. وفجأة، استخرجوه من تحت ركام التاريخ وعرضوه للشمس وحقنوه بكل المنشطات، فقط لتدخل المنطقة وشعوبها في نفق معتم بلا نهاية.
لا تخفى مصلحة رواد منطق الصراع من الطرفين في الأزمة، خصوصا مع التطورات الأخيرة، لصرف الانتباه عن الصراع الذي أفصح عن نفسه بين الشعوب على طرفي القسمة الطائفية، وبين الأنظمة على أساس نقاط خلاف مقنعة: الحرية والكرامة والخبز. لكن الخافي حقاً هو أي مصلحة للأفراد في خوض صراع طائفي والتأليب على الحرب بهذه الذريعة. والأكثر غرابة هو كثرة المداخلين "الشعبيين" المتحمسين لخطاب الكراهية والدعوة إلى قتل "الآخر" الجديد، لا أقل، وكأن الناس مضروبون على رؤوسهم!
للأسف، أصبح خطاب التصالح وتأكيد المشتركات والتسامي عن التناقضات الصغيرة وتعقب الأساسية، هو الغريب المستغرَب، مثل الأيتام على مآدب اللئام. وبدلاً منه، راج خطاب العصبوية وفقدان الرشد والاندفاع إلى المشاجرات والمعارك، واشتراه الناس المخدوعون. وفي الخضم، لا يطرح المعظم السؤال الأساسي والضروري: ماذا أستفيد من هذا؟ ومَن هو المستفيد؟
الغد 2017-07-02