رغم الزهو.. روسيا تعاني في سوريا
لا يحتاج المراقب لكثير من الذكاء، ولا المتابعة الحثيثة كي يلمس ذلك اللهاث الروسي خلف الأمريكان من أجل التوصل إلى تسوية في سوريا. وحين تتصدر المسألة السورية أجندة الاتصال الهاتفي اليتيم بين بوتين وترامب (بانتظار اللقاء القادم)، فهذا لا يعكس الاهتمام الأمريكي، بقدر ما يعكس الحرص الروسي على التوصل إلى تسوية هناك، والسبب أن لا شيء تخسره أمريكا في سوريا، ويدفعها للحرص على إنهاء الصراع، بل إن العكس هو الذي حدث، فها هي بعد 6 سنوات من الصراع تجد لها موطئ قدم في هذا البلد، بخاصة عبر القوى الكردية.
وحين يقول لافروف بنبرة أقرب إلى الذل، إن وجهة النظر الأمريكية قد أخذت بنظر الاعتبار في صياغة خطة المناطق الآمنة في سوريا، وهو صحيح بالطبع لأنها تجاهلت المناطق التي يتواجدون فيها (عبر الأكراد)، فإن ذلك يعكس حرص موسكو على إرضاء واشنطن، ودفعها إلى دعم الخطة التي يعوّل عليها البعض، ومنهم الروس، كمحطة لإنهاء الصراع، والتي تعكس بدورها اعترافا باستحالة الحسم العسكري، مع أن السيطرة على كامل التراب السوري (كم سيستغرق ذلك لو كان ممكنا؟) لن يوقف النزاع لسنوات طويلة في زمن العنف السهل والرخيص، وفي ظل ثارات لا حدود لها.
في مقابلته المطوّلة الشهيرة مع الصحفي غولدنبرع في “أتلانتيك”، قال أوباما ما مضمونه، إن بوتين قد ورّط نفسه في سوريا، فلماذا علينا أن نخرجه من ورطته؟ ويبدو أن ترامب لن يغير الكثير في هذه القناعة، ولا الخطة، هو الذي أوكل للبنتاغون مهمة تحديد مسار التحرك في سوريا والعراق.
لا حاجة لاستعادة ما قلناه مرارا حول الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، والتي جاءت صدىً للرغبة الإسرائيلية في تحويل سوريا لثقب أسود يستنزف جميع أعدائها، وهي الاستراتيجية التي تأكدت أكثر بعد دخول الروس على الخط كقوة دولية صاعدة تحاول تحدي النفوذ الأمريكي في العالم.
اليوم، يدرك بوتين تماما هذه الرغبة الأمريكية في توريطه أكثر فأكثر في سوريا، في الوقت الذي يدرك هو العجز عن الحسم العسكري السريع، في ظل تهالك ما تبقى من جيش بشار، وضعف المليشيات الشيعية واستنزافها، ولذلك يحرص كل الحرص على إيجاد سبيل للتفاهم مع ترامب على أمل إيجاد مخرج مشرّف من الورطة، مع أن تعقيدات الأزمة أكبر من ترامب، وإن اعتقد بوتين أن بوسعه (أي ترامب) الضغط على داعمي المعارضة من العرب، فضلا عن تركيا.
لا شيء يعكس حجم ورطة الروس من غطرسة نتنياهو. وصمتهم عليها يؤكد ذلك تمام التأكيد (تجاهلها إعلام أدعياء الممانعة)، والسبب بالطبع أن بوتين يدرك حجم تأثير نتنياهو على ترامب، ما يعني أن غضبه سينعكس على السلوك الأمريكي؛ إن في سوريا أم سواها.
في مقابلة أجرتها مطلع الشهر قبل الماضي القناة الإسرائيلية التاسعة الناطقة باللغة الروسية (هذا مهم طبعا)، ونقل موقع صحيفة “يديعوت أحرنوت” مقتطفات منها، قال نتنياهو: “قلت لبوتين: إما أن يتفق جيشانا على تنسيق تحركاتهما في سوريا، وإما أننا سنتصادم لا محالة”. وتباهى بأن الضربات الإسرائيلية في سوريا تتم “بالتنسيق مع روسيا، وبعلم بوتين، وعدم اعتراضه”. وتعهد باستمرار تلك الضربات “كلما اقتضت مصالح (كيانه) ذلك”، وهو ما كان، حتى اضطرت موسكو لتبرير بعضها بالقول إنها ضد جبهة النصرة!!
لا حاجة إلى القول إن روسيا هي التي ضغطت على إيران لقبول الخطة الأخيرة بشأن المناطق الآمنة، والكثير من المواقف السابقة، بما فيها التحركات العسكرية، والسبب وراء ذلك كله هو الخوف من التورط الطويل معطوفا على القناعة باستحالة الحسم العسكري القريب، واليوم يبدو بوتين أكثر حرصا على عدم إطالة النزاع، هو الذي يريد أن ينهيه قبل استضافة بلاده لكأس العالم لكرة القدم العام القادم.
لا يعني ذلك أن الأطراف الأخرى مرتاحة في سوريا، لكن المؤكد أن التوصل إلى حل لن يكون من دون تخلي خامنئي عن أوهامه؛ بضغط من بوتين، مع قناعة الأخير، بأن ذلك الحل وبقاء النظام في سوريا على حاله ضدان لا يجتمعان.
الدستور 2017-07-05