مجموعة العشرين دون مجموعات
من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة في اجتماعات مجموعة العشرين، في هامبورغ في ألمانيا، مواجهة ألمانية – أميركية، في قضايا عالمية مختلفة، وأساسية في صلب النظام الاقتصادي الدولي، ولكن المواجهة لن تزيد، في حال حدوثها فعلا، عن كونها مواجهة نظرية عامة. في الأثناء سيكون هناك اهتمام بلقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ولكن واقع الأمر أنّ هذا اللقاء تأخر وتعذر إلا بمناسبة لقاء من هذا النوع. هذه المواجهة النظرية واللقاء المتأخر يضاف لهما قرار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلغاء حضوره للقمة، ليشير إلى قناعة متزايدة أنّ الأطر الدولية، والجماعية، باتت أقل أهمية وجدوى، من الأطر الثنائية.
تأسست مجموعة العشرين التي تضم 19 دولة والاتحاد الأوروبي، وتمتلك نحو 85 بالمئة من الدخل القومي العالمي، وثلثي سكان العالم، في العام 1999، لتعالج تداعيات الأزمة الاقتصادية الآسيوية، حينها، ولكنها لم تقم بدور مهم، ثم جاءت أزمة العام 2008 المالية، لتدفع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ليحاول تطوير هذه المجموعة، لا لتعالج تلك الأزمة وحسب، بل لتكون بداية نظامين اقتصادي ومالي دوليين جديدين، توقف تغول الشركات والبنوك العالمية الكبرى، وتؤسس لقواعد اقتصادية جديدة، ولكن كل ذلك فشل لأسباب أهمها، أنّ البنوك ورجال الأعمال والشركات وحلفائهم من السياسيين الأميركيين، رفضوا ذلك بحجة تهديد السيادة الأميركية.
شيئاً فشيئاً عاد صندوق النقد الدولي، ليلعب الدور الأساسي في الاقتصاد العالمي كما كان دائماً، ولكن جرت محاولات لتغيير طفيف في هيكله ليصبح أكثر تمثيلا برفع نسب تمثيل دول "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، ودول أخرى لكن هذا أيضاً تعطل ولم ينفذ بسبب عقبات المشرعين الأميركيين. وكان اللاعب الجديد الأساسي الذي برز بوزن مختلف متنامٍ في صناعة النظام الاقتصادي العالمي، وبالتالي النظام الدولي عموماً، هو ألمانيا، خصوصاً مع قدرتها على تقديم جزء كبير من أموال خطط إنقاذ اقتصاديات دول أوروبا المتأزمة مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا، وبالتالي القدرة على فرض الكثير من تصوراتها للتعديلات والإصلاحات التي على الدول المتأزمة، التي تتلقى المساعدات، تنفيذها. والآن مع مجيء دونالد ترامب تستعد ألمانيا، لتحويل المجموعة، واجتماعاتها، لمنصّة لرفض ومقاومة سياسات واشنطن الجديدة التي يقودها ترامب، خصوصاً الانسحاب من اتفاقات عالمية كالبيئة، وتبني سياسات حماية تجارية.
كانت المستشارة الألمانية واضحة، في الإشارة إلى أن سياسات واشنطن الجديدة، ستعني تراجع دورها القيادي العالمي، فقالت تعقيباً على انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، أنّه "لم يعد من الممكن الاعتماد" على الولايات المتحدة. وتنوي ميركل، كما دلت تصريحات صحافية طرح آراء حول ضرورة الحفاظ على التجارة الحرة، والتعامل الإيجابي مع اللاجئين والمهاجرين، بما سيصطدم مباشرة مع دونالد ترامب وآرائه. وهو الأمر الذي إما سيرد عليه ترامب بهجوم مضاد، ما سيدشن جدلا غير مسبوق في الغرب، أو سيتجاهل الرد، أو يجعله غير مباشر، وبالتالي يعزز حالة لامبالاة أميركية، وعدم اكتراث بالتساؤل حول مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي وهي تنسحب من منظماته والتزاماته وسيبدو الأمر كحوار طرشان، إذا قام كل منهما بالهجوم على الآخر دون تسميته. ومثل هذا الوضع يتبعه سؤال آخر، هل هي عزلة أميركية تلحق بالنهج اللاتدخلي الذي بدأه أوباما؟ أم هي بداية التوجه لسياسات تعتمد أكثر على الحروب التجارية والحزم العسكري وتوازن القوى، وبالتالي تقويض النظام الدولي الذي تكون بعد الحرب العالمية الثانية؟.
يلتقي ترامب وبوتين في اليوم الأول للقمة التي تستمر الجمعة والسبت، في لقاء، حرص البيت الأبيض على التقليل من أهميته، بالإشارة إلى أنه "سيكون لقاء ثنائيا عاديا".
ويشير غياب الملك سلمان سالف الذكر، إلى عدم الاعتقاد أن مجموعة كالـ 20 تصلح لمناقشة قضايا مثل تمويل الإرهاب، أو سوى ذلك، مما تتهم به قطر.
وهذه أول قمة للمجموعة بعد القرار البريطاني ترك الاتحاد الأوروبي.
هذا الواقع يشير إلى احتمال حدوث تراجع إضافي للمؤسسات والمنظمات والمجموعات الدولية، وللنظام الدولي القائم على الأمن الجماعي، والتحول نحو القانون الدولي، ونحو المنظمات الإقليمية والعالمية.
الغد 2017-07-06