بمناسبة محاضرة زغلول النجار
انتهت محاضرة الداعية الإسلامي زغلول النجار التي نظمت في مجمع النقابات المهنية في عمان الاسبوع الماضي الى حالة من الفوضى والملاسنة والمشادات بين تيارات مؤيدة واخرى معارضة، مارس فيها الطرفان تحشيدا وتعبئة على مدى اسابيع، رغم أن الاسباب المعلنة والظاهرة ذهبت الى خلاف جرى حول طريقة ادارة اسئلة الحضور بعد انتهاء المحاضرة التي جاءت بعنوان "الرعد والبرق في القرآن الكريم"، حيث احتج مهندسون وحضور من تيارات مختلفة على منظمي المحاضرة الذين رفضوا ان تكون الاسئلة شفوية، بل مكتوبة على الورق، بينما رأى الفريق المعارض ان ذلك يعبر عن "نهج إقصائي ومحاولة لاختيار أسئلة معينة دون غيرها".
ومنذ اسابيع شهدت وسائل التواصل الاجتماعي جانبا من الاشتباك بين مؤيدي تنظيم مثل هذه الانشطة ومعارضيها، وقبل اقل من عامين شهدت محاضرة القاها داعية اسلامي اخر يوصف بالتشدد بنقد واسع وحملة رافضة من تيارات متعددة، المهم في الامر ان ما نشهده يدل على ظاهرة صحية يجب ان نحميها لا ان نهشمها او ان نقصي تيارا لصالح تيار آخر. ان ازدياد حدة الصراع يشي بحالة جديدة من الوعي المجتمعي تتشكل، وعي ينتقل من الانشغال التاريخي بالسياسة السطحية التي استهلكت اكثر من قرن من عمر القوى الاجتماعية والاجيال العربية، الى ظاهرة اكثر عمقا واكثر احتكاكا واشتباكا بالحياة والمعاش اليومي للناس، اي البحث في القيم الكبرى وفي الموقف من القضايا والهموم الكبرى التي سوف تحسم في نهاية الامر الطريقة التي يعيش بها الناس والطريقة التي يفكرون بها والطريقة التي يحددون من خلالها مواقفهم من الظواهر الاجتماعية والطبيعية والسياسية ايضا؛ انه سؤال الثقافة العميق المرتبط في الجوهر بحرية التعبير.
من يعارض منهج زغلول النجار وامثاله ليسوا جميعا من العلمانيين او اليساريين او حتى من اتباع "العلمانية المؤمنة"، بل هناك من التيارات الاسلامية ومن الاسلاميين المستقلين من يدعو الى تخليص "القرآن الكريم" من الزج به في متاهة ما يسميه النجار الإعجاز العلمي للقرآن وهو - حسب هذا الرأي - ما ينقل القرآن من نص روحاني مقدس الى محتوى مادي يشتبك مع الاختراعات والعلوم المادية المعاصرة. في المقابل ليس كل مؤيدي النجار وامثاله هم من اصحاب الاجندات السياسية المحمولة دينيا، بل هناك تيار واسع من عامة الناس ومن ابناء الطبقة الوسطى الذين ما يزالون في منطقة رمادية في مواقفهم من القيم الكبرى.
ان توسيع نطاق النقاشات العامة يحرر الناس من الاوهام ويزيل الغشاوات عن عيونهم، وهو الطريق الآمن لتغيير منهجهم في التفكير في الطبيعة والحياة والتاريخ واعادة تفسير الماضي وفي اتخاذ المواقف من الشؤون العامة. لكن كل ذلك لا يتحقق بدون انضاج المجال العام، اي المكان الذي يكفل لجميع المكونات الاجتماعية والفكرية والسياسية والدينية فرصا متساوية في حرية التعبير. إن إقصاء اي طرف او محاولة تهميشه او منعه او الحطّ من كرامته الانسانية هو سلوك يسهم في تأخير الحسم، وهو سلوك مناف للمسار التاريخي المطلوب من اجل انضاج فكرة المجال العام اي الساحة الافتراضية الحرة للتعبير العام.
كلما استطاع الناس ان يختلفوا اكثر، في الوقت الذي يحافظون فيه على صيانة منابر التعبير وحماية الكرامة الانسانية لمخالفيهم، أشار ذلك الى قدرتهم على تحويل خلافاتهم إلى قوة وثراء للمجتمع، وقدرة على التوافق والإجماع.
الغد 2017-07-08