تحديات جديدة وحلول آفلة
ما تزال المواجهة مع التطرف، خصوصا والأزمات السياسية بعامة، تحكمها سياسات وأدوات آفلة لم تعد تصلح للإدارة والمواجهة، ففي حين تنتمي الأزمات القائمة إلى عصر الشبكية بما تعنيه من تغير في دور الدول والموارد والفرص ومفهوم الصراع وطبيعته، تنتمي المواجهة إلى عصر المواجهة بين الدول والجيوش، وتنشأ بسبب ذلك متوالية من الشرور والأزمات؛ إذ ليس ثمة عدو محدد فيزيائيا يمكن أن يصب عليه عدوه الآخر غضبه ويحشد ضده الجيوش والإعلام، وفي ذلك لم يعد واضحا من العدو ومن الصديق، وتتآكل بطبيعة الحال عمليات المواجهة والاستعداء والتعبئة والحشد، ولم نعد نعرف من نقاتل، ولا نعرف جدوى أو معنى للسياسات والصراعات والحروب والقوانين والعلاقات والمنظمات الدولية، كأنها عمليات مواجهة في الظلام بين عملاق قوي مسلح وأقزام ضئيلة لدرجة يعجز العملاق عن رؤيتها أو استخدام قوته وسلاحه ضدها. وتنشأ بطبيعة الحال مواجهات وصراعات طويلة لكن أحدا لا يجزم اليوم بأنها مواجهة تضعف بالفعل الإرهاب والتطرف أو تزيدهما، بل من المؤكد أن الإرهاب والتطرف يكسبان كل يوم مؤيدين جددا، والأكثر تعقيدا وإرباكا أن فئات اجتماعية جديدة تتحالف اليوم مع الإرهاب الأيديولوجي؛ ما يزيده صلابة وتماسكا وقدرة على البقاء والتماهي.
والحال أنه ليس لدينا في ظل عدم اليقين المهيمن على المشهد سوى أن نبحث عن وسائل مواجهة نرجح أنها ملائمة وان ننشئ مؤسسات جديدة ونغيّر في المؤسسات القائمة على النحو الذي يخدم التقديرات والترجيحات الممكنة في المواجهة، فمن المرجح إن لم يكن مؤكدا أن ثقافة الحياة قادرة على أن تواجه ثقافة الموت، وأن الازدهار والعدالة والحريات أقدر على مواجهة الكراهية والشعور بالظلم والإقصاء والتهميش، وأن تشبيك العلاقات والمصالح بين الدول والطبقات والمجتمعات والأفراد يقلل من قدرة الأعداء والإرهابيين على جذب المؤيدين والأنصار، وأن الاعتماد على المشاركة والقيم السامية والإنسانية العليا ينمي الولاء والانتماء أكثر من الاعتماد على المحفزات البدائية للإنسان مثل الخوف والقهر والجوع، بل العكس فإن مواصلة الاستعلاء على فئات من المجتمعات والناس وتهميشهم يزيد العداء والكراهية.
ليس ثمة أفق لمواجهة التطرف سوى عمليات صعبة ومعقدة من الازدهار الاقتصادي والإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي، وما من مواجهة مباشرة أو فاعلة مع التطرف سوى التقدم والتنمية الإنسانية. ولم يعد ممكنا أو مجديا أو ذا معنى مواجهة التطرف والكراهية بصراعات سياسية وأمنية وعسكرية مباشرة سوى في حالات وحوادث محددة تكفي القوانين السائدة والمتبعة والمؤسسات الأمنية والقضائية للتعامل معها ولا يمكن الزيادة على ما هو موجود من ذلك بالفعل.
والحال أن الإصلاح اليوم يبدو مرهقا، ويحتاج إلى خبرات وأدوات جديدة ووعي جديد أيضا، وفي ذلك يجب إطلاق الطبقات والمجتمعات لتتحرك بحرية وفي مسار من التجريب بما في ذلك من آلام وأخطاء وتضحيات بقسم كبير من الطبقات والمؤسسات السائدة على النحو الذي تحقق به الانسجام الممكن بين وعيها وواقعها، إذ أنه اليوم في ظل الشبكية وانتشار المعرفة يتشكل اجتماعيا وجماهيريا ذكاء جماعي ووعي ومعارف واسعة ومتقدمة تنتمي إلى اللحظة القائمة لكن الواقع المهيمن ينتمي في قيمه وأفكاره ومؤسساته وعلاقاته إلى فترة سابقة لم تعد مقوماتها موجودة. وحتى لا تتكرر المواجهة ومحاولات التأجيل مع الاستحقاقات والتداعيات التي نشأت حول المطبعة والكهرباء والمحركات البخارية فإن ما نحتاج إليه بالفعل هو التعجيل بمواجهة ذواتنا بالحقيقة الناشئة عن الشبكية وتحولاتها الاجتماعية والحضارية، وفي ذلك فقط نوقف الصراع ونقلل من الخسائر والهدر في الأنفس والموارد؛ لأنها مواجهة قادمة حتما لكن التأخر فيها يزيد الآلام والتضحيات.
الغد 2017-07-08