«عِنب» الخليل و«حرمها» أو.. الهستيريا الصهيوأميركية!
في ظل الهستيريا (إقرأ السيرك السياسي) الصهيوأميركية التي اصابت كل من اسرائيل واميركا والمعسكر المتحالِف معهما في العالم وخصوصاً في المنطقة، بعد قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) اعتبار الحرم الابراهيمي الشريف والبلدة القديمة في مدينة الخليل الفلسطينية, موقعان تراثيان وتاريخيان عالميان، يندرجان على قائمة التراث المُهدَّد, ما يستدعي اعتبارهما منطقة مَحمِيّة, بصفتهما موقعان يتمتعان بقيمة عالمية استثنائية، يمكن للمرء ان يلحظ بوضوح حجم الصفعة (حتى لا نذهب بعيداً في المبالغة) التي لحقت بمحور الشر الصهيوني الاميركي, الذي يواصل تزوير حقائق التاريخ معتمِداً على ذلك بالبلطجة واختراع الاساطير المؤسِّسة التي تستند إليها الرواية الصهيونية، ودائماً في استثمار حال الانهيار التي تعيشها الأمة العربية (دع عنك الاسلامية التي لا أهمية لها في عالم اليوم, سوى بالجلوس في مقاعد المتفرجين وعرض خدماتها السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية, مقابِل أُعطيات ومِنح وحماية حدود «الانتداب», دون ان تُعنى, لا بالقدس ولا بغيرها من الأماكن والتراث الاسلاميين في فلسطين).
ان تقول المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة او الأًصح المندوبة الاسرائيلية في الخارجية الاميركية نيكي هايلي, بأن قرار اليونسكو هو «إهانة للتاريخ «وأن تُهدِّد بقيام بلادها بـ»تقييم» المستوى الملائم لعضويتها في اليونسكو... شيء طبيعي, بل سيكون مُستغرَباً من دولة عظمى أوقفَت الدعم المالي لليونسكو منذ العام 2011 بعد قبولها عضوية «دولة» فلسطين فيها إن لم تقل غير ذلك. وان يصِف نتنياهو القرار بأنه «هذيان» وان يمضي للزعم بأنهم في اليونسكو «قرَّروا ان يعتبروا قبور اوليائنا في الخليل, مواقع تراثية فلسطينية، وهذا أمر خطير للغاية، مُتسائِلاً في غضب هستيري أقرب الى الهذيان: كيف ذلك ليس يهودياً؟ هناك دُفِن ابراهيم واسحاق ويعقوب ورفقة (والدة يعقوب) وليئة (زوجة يعقوب)؟
هذا أيضاً شيء طبيعي، كما هي حال أقوال رئيس دولة العدو الصهيوني رؤوفين ريفلين الليكودي المتطرِّف الذي يذهب لتكرار الاسطوانة المشروخة حول العداء للسامية بالقول: ان اليونسكو تواصِل نشر الاكاذيب المعادية لليهود(..) وهو الأمر الذي يمكن فهمه من تصريحات المتحدِّث باسم الحكومة الصهيونية الذي يدّعي «أن التاريخ المجيد للشعب اليهودي بدأ في الخليل, واكاذيب اليونسكو والتاريخ المُزوَّر من المستحيل ان يغير ذلك».
لكن ما ليس مفهوماً ولا معقولاً, هو ما تم الكشف عنه اسرائيلياً عشية صدور القرار المهم هذا, وخصوصاً الملابسات وما جرى خلف الكواليس قبل اجتماع لجنة التراث العالمي في اليونسكو التي تلتقي «الآن» في مدينة كراكوف البولنديّة, في اجتماعها الممتد من 2-12 تموز الجاري، حيث كشفت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية, ان تل ابيب وواشنطن مارستا ضغوطاً هائلة ومكثفة, مصحوبة بعملية تهديد وابتزاز بهدف توفير (كتلة مانعة) في اللجنة, تحول دون حصول الاقتراح الفلسطيني على ثلثي الاصوات المطلوبة, علماً ان عدد اعضاء اللجنة العتيدة هو «21» دولة.. لكن ما هو اخطر من ذلك هو تأكيد الصحيفة الاسرائيلية ان «دولة عربية» تعهّدت لإسرائيل بعدم دعم الاقتراح الفلسطيني وعدم التصويت له, إذا ما جرى التصويت «سراً».. وهذا ما نجحت فيه الولايات المتحدة واسرائيل, حيث تم «الاتفاق» على ان يكون التصويت سرّياً، لكن المفاجأة كانت صادمة وموجِعة للمسعى الاميركي الاسرائيلي, وخصوصاً لتلك الدولة العربية التي لم يُكشَف عن اسمها على ما قالت الصحيفة، حيث جاء التصويت كالتالي:12نعم، 3 لا, وامتناع 6 دول، ليكون المجموع «21» ولينتصر القرار الذي يحتاج الى ثلثي الاعضاء, باعتبار ان الممتنعين لا يدخلون في... «الحسبة».
هنا تكمن القطبية المخفية التي بدأت تفرض نفسها على المشهد العربي الراهن, وخصوصاً في شأن العلاقة المتنامية السرعة والكيفية التي تنشأ وتقوم عليها علاقات عربية مُستجدَّة مع دولة الاحتلال الصهيوني, التي ما تزال ماضية قدماً في تهويد القدس وزراعة الاراضي الفلسطيني المحتلة بالمستوطنات, والتنكيل بالفلسطينيين ومصادرة اراضيهم ورفض التعاطي (مجرد التعاطي) مع مبادرة السلام العربية المطروحة منذ خمسة عشر عاماً دون ان يوليها قادة تل ابيب اي اهمية, ناهيك عن الدفن الفعلي الصهيوني لما يسمى بـِ»حل الدولتين» الذي لم يعد بمقدور أحد–حتى اكثر الناس تفاؤلاً – الزعم بِأنه قابل للتنفيذ, بعد ان تحوّلت الضفة الغربية المحتلة الى قطعة من الجبنة السويسرية، ما يتوفر عليه الفلسطينيون من اراضي هي مجرد «ثقوب» كالثقوب في تلك الجبنة المشهورة, لا ترتقي حتى لمستوى كانتونات او معازِل.
قد يتساءل المرء بدافع من الفضول, وربما الاستغراب والغضب عن اسم تلك الدولة العربية، حيث بالفعل «لا» أهمية لذلك, حتى لو عُرِف الاسم.علماً ان عدد الدول العربية الاعضاء في لجنة التراث هو «أربع»، لِأن الاهم هو التوقف والتأمل في شأن وغرابة ما يجري من «تقارب» مع الدولة الصهيونية, رغم انها لم تُقدِّم (ولن تُقدِّم) اي نوع من «التنازلات», ليستطيع المهرولون نحوها تبرير خطواتهم الخطيرة تلك، بل إن الحديث عن مصالح مُشترَكة مع اسرائيل, لدرء الخطر الايراني الذي يتم تلبيسه رداءً مذهبياً، يسقط ويتبدّد أمام الخطر الصهيوني الذي يتهدد الأمة العربية في صميم مشروعها القومي والحضاري بل والوجودي, وليس فقط الوطن والشعب الفلسطينيين, بما هما الضحية المباشرة الاولى للهجمة الاستيطانية الكولونيانية الشرسة, المتواصلة منذ قرن من الزمان والذي يريدنا «عرب اليوم» ان ننساها, وان نراها مجرد «غزوة» عابِرة, مقارَنة بما يتهدَّد العرب من خطر ايراني او فارسي... مزعوم او مبالَغ فيه... جِداً.
الراي 2017-07-09