خبر عاجل.. دماء وشهداء في سيناء..
شيخ عراقي متعب من الموصل يجلس على الأرض تحت سقيفة مهترئة في شارع مهجور، يسند ظهره الى حائط متهدم آيل للسقوط، تمر امامه شاحنة قديمة تحمل في صندوقها المكشوف للشمس والرياح الساخنة مجموعة من النساء والأطفال يلوحون باياديهم المرتجفة تحية للحشد الشعبي والجيش، وبعضهم يرسم شارة النصر، ربما تعبيرا عن فرحتهم بالنجاة من ظلم وظلام داعش ومن القصف العشوائي، في النهاية هم يعانقون حريتهم المتعبة .
في ذات اللحظة يظهر في شريط الأخبار خبر يفيد أن المجتمعين في مؤتمر العشرين الكبار «أكدوا على ان الأرهاب يهدد امن العالم» !! اخيرا، والحمد لله، إكتشف الكبار أن الإرهاب خطر على السلم العالمي، مع ضرورة التذكير أن معظم « أبناء العشرين ..» من الحاضرين هم الذين يدعمون الإرهاب ويمولون ويسلحون ويدربون الإرهابيين في ليبيا واليمن والعراق وسوريا ومصر، ولكل منهم أسبابه ومصالحه !!
وهم أيضا ، أي بعض الكبار وادواتهم المحلية في المنطقة، ينشطون عسكريا وسياسيا واعلاميا عندما تنحشر التنظيمات الإرهابية المتطرفة في الزاوية، وتتقهقر في ساحة المعركة، ويرمون لها طوق النجاة من خلال فرض وقف اطلاق النار، او تعيين وتحديد مناطق آمنة تتحول الى ملاذ للتنظيمات المتطرفة .
وفي المشهد ذاته، وخلال نشرة الأخبار ذاتها، ظهر الخبر العاجل الذي اشار الى هجوم ارهابي جبان على نقاط امنية للجيش المصري في سيناء ( صحراء الشهداء المصريين )، واستشهاد عدد من الجنود، لتكتمل صورة الإرهاب الدموي الذي ما زال يتلقى الدعم والمساندة من منابعه المعروفة بقياداتها التي ما زالت تتحدث عن الحرب على الإرهاب في وسائل اعلامها المنحازة حتى هذه الساعة الى جانب التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق وليبيا باسلوب فيه شيء من « التذاكي المكشوف « .
الحقيقة أن مصر تخوض حربها على الإرهاب وحيدة دون تقديم أي دعم أو مساندة من اطراف عربية ودولية، ونحن نعرف ان سيناء هي ارض الشهداء المصريين الذين سقطوا في حروب ومعارك دفاعا عن قضية فلسطين التي كانت جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن هذه المرة سقط الشهداء برصاص الإرهاب المجرم المتوحش الذي يمارسه اعداء الدين والحياة من المسوخ التي ولدّها الربيع العربي، وهم من سلالة القتل والإنتحار المخالفة لكل القيم الوطنية والقومية والأنسانية .
صحيح أن الجيش المصري الباسل قادر على الرد على التائهين في اللازمن من العالقين في الماضي باسم المقدس، وبالقدر الذي يستحقه الغرباء عن ثوابتنا وقيمنا من الظلاميين عشاق الموت الذين لا يبجلون الحياة ويكرهون كل ما هو جميل .
ولكن الرد المرحلي الغاضب العاصف على العمليات الإرهابية لا يكفي مهما كان قاسيا، فمصر تحتاج الى الأمن والأستقرار والأزدهار والتقدم الى الأمام ومواجهة التحديات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ، وهذا يتطلب عملية جراحية كبرى يتم عبرها اقتلاع الإرهاب من جذوره، والعملية تحتاج الى اختراق صفوف الإرهابيين امنيا واستخباريا، كما يحتاج الى عملية تفتيش امني شاملة تجتاح كل التجمعات السكنية في سيناء، تصل الى كل البيوت والمضارب والكهوف والمزارع ، قد تكون العملية مزعجة وموجعة للمواطنين الأبرياء ولكن فيها يكمن الخلاص والراحة وسلامة المواطن وامن الوطن، وبالتالي يتم وقف نزيف الدم المصري في سيناء، وتنتهي عملية استنزاف قدرات الجيش المصري .
وهنا يجب التذكير بأن الحسم العسكري وحده لا يحقق الإنتصار الكامل على الإرهاب ، يجب ان تكون لدى الحكومة المصرية خطة جاهزة لتنمية سيناء، وخلق فرص عمل وتحقيق نهضة زراعية تجارية صناعية تساعد على تجفيف منابع الإرهاب، وإعادة تشكيل الوعي الوطني الذي تعرض لأكبر عملية تشويه باسم المقدس .
الرأي 2017-07-10