الأردن يدفع ثمن التغير المناخي
انتهت قمة العشرين التي عقدت في مدينة هامبورغ الألمانية يوم الخميس الماضي، بالاتفاق حول قواعد جديدة وترسيخ أخرى قديمة تدعم التجارة غير العادلة، عكس ما تصفها الدول الأعضاء في القمة، فيما انتهى المؤتمر بعدم الاتفاق على سياسات الحد من آثار التغير المناخي بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب من اتفاقية باريس، حيث تنص الاتفاقية على التزام جميع الدول بمحاربة تغيير المناخ، وتقليل مستوى الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى مستويات يمكن للأشجار والتربة والمحيطات امتصاصها بشكل طبيعي. ووقعت على الاتفاق 195 من أعضاء الامم المتحدة من أصل 197 دولة، وبانسحاب الولايات المتحدة التي تعد ثاني دولة تتسبب بانبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري يضع ترامب بلاده على رأس قائمة أعداء البيئة في العالم.
هذه الخطوة التي لوح بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ الحملة الانتخابية تعني الكثير للعالم بشكل عام وللمنطقة العربية وللأردن بشكل خاص، إنها بالمختصر تعني بداية تقويض جهود عالمية شاقة منذ عقدين للوصول لأجندة عالمية ملزمة بالحد من آثار للتغير المناخي. المنطقة العربية واحدة من أكثر مناطق العالم تأثرا بالأحوال المناخية، ولعل الأردن أكثرها تأثرا في هذا الشأن حيث تعد ثالث أفقر بلد في العالم بالمياه فيما يزداد التصحر بوتيرة عالية. هناك أرقام صادمة غير معلنة عن حجم فقدان الغطاء النباتي في الأردن في آخر عقدين، في الوقت الذي تضاعف فيه سكان الأردن خلال عشرة أعوام وهو الأمر الذي لم يحدث في بلد آخر في العالم، مع تراجع حاد في الموارد الطبيعية المحدودة والنادرة في الأصل، فالحياة مهددة على هذه الأرض، لو قامت إحدى الهيئات الدولية بتصنيف أكثر البلدان المهددة من الناحية الطبيعية سيكون الأردن وللأسف على رأس القائمة.
تخريب اتفاق باريس قصة تهمنا، والتغير المناخي بات يدق الأبواب ونلمس آثاره يوميا ليس في فروق درجات الحرارة، بل في سلسلة طويلة من التغيرات التي تشمل نواحي عديدة وتضرب بالموارد وبالتنمية.
لسنوات مضت شكك كثيرون بثقب الأوزون وارتفاع درجة حرارة الأرض وانبعاث الغازات الدفيئة، ووصفت القصة بأنها مؤامرة كونية. اليوم تراجعت الكثير من هذه الأصوات، بالمقابل ازداد رفض سياسة الدول الكبرى لأن ذلك يعني إلزامها بدفع فاتورة عقود طويلة من الأضرار بالبيئة وتخريبها.
تتضمن اتفاقية باريس تطبيق بعض القواعد الملزمة قانونا على الدول الأطراف، مثل التزام البلدان المتقدمة بتقديم الدعم المالي للبلدان النامية من أجل تنفيذ الاتفاق، حيث قدرت هذه المساعدات بنحو 100 مليار دولار تدفعها الدول الصناعية الكبرى للدول النامية.
حسب التقرير الوطني الشامل، حول تغير المناخ في الأردن فإن (تساقط الأمطار سيتراجع بحدود 15 % "بحسب السيناريو المتوسط"، وترتفع النسبة إلى 21 % "بحسب سيناريو الحد الاقصى"). ومن المتوقع أن تتراجع الأمطار في المناطق الجنوبية خلال السنوات المقبلة إلى نحو 30 %، فيما جفت الينابيع والمصادر الجوفية وتراجعت قدراتها بنحو 50 %. بمعنى أن الأردن مهدد بشكل جدي بآثار التغير المناخي، وهذه ليست مؤامرة بل حقيقة طبيعية علينا أن نضعها موضع الاهتمام.
خروج الولايات المتحدة من اتفاق باريس يعني خسارة شريك قوي، ويعني أن الأردن يحتاج لأن يبحث عن أبواب أخرى للشراكة مع الولايات المتحدة وغيرها لمواجهة آثار التغير المناخي. بحق علينا الوعي أن الحياة مهددة على هذه الأرض، ليس بعد خمسة قرون بل بعد خمسة عقود.
الغد 2017-07-10