جريمة في شارع الأردن
جريمة شارع الأردن التي راح ضحيتها طفل سوري على يد وحش بشري، اغتصب الطفل ونحره، هزّت إنسانية الأردنيين جميعا، وألهبت عواطفهم رفضا لما ارتكبه هذا الوحش البشري لدرجة، أن أهالي المنطقة التي وقعت فيها الجريمة طالبوا بإيقاع أقصى العقوبة بحق هذا المجرم الذي وضع إنسانيته جانبا وتجرد من كل المشاعر، وقبل على نفسه إزهاق روح طفل لم يتجاوز عامه السابع لإرضاء شهواته غير السوية.
الجريمة التي وقعت بحق طفل هاجر أهله من وطنهم في سورية الجريحة بحثا عن الأمن والأمان لم يتصوروا للحظة، كما الأردنيون جميعا، أن ابنهم ستزهق روحه بتلك الطريقة البشعة التي لا تقدم عليها سوى تنظيمات إرهابية اعتمدت القتل والنحر والاغتصاب وسيلة لبث الذعر في النفوس كداعش والنصرة والقاعدة وسواها.
موقف الأردنيين الرافض لما جرى من جرم خارج عن قيمنا الأخلاقية والإنسانية والبشرية وتعاضد الأردنيين وسكان المنطقة مع أهل الضحية ورفضهم لما أقدم عليه الجاني لم يكن مفاجئا؛ فتلك شيم الأردنيين الرافضين لأي فعل خارج عن القيم الإنسانية والأخلاقية ودليل قاطع على رفض أي عمل غير إنساني أقدم عليه وحش بشري دون إنسانية.
جريمة شارع الأردن غير إنسانية بكل المقاييس والمفاهيم ولا يوجد أي مبرر لها، ولا يمكن أو يجوز الاتكاء أو حتى التلميح بأن الفاعل من أصحاب السوابق مثلا، لتبرير جريمة بهذه البشاعة والقسوة، وهي أيضا مناسبة رغم قساوتها لنعيد الحديث مرة تلو أخرى عن منظومة الأخلاق التي يتوجب التعامل معها.
وهي أيضا مناسبة للتفكير بضرورة تعزيز مفاهيم الأخلاق في المدارس والجامعات والجمعيات والملتقيات وغيرها، على أن تكون تلك المفاهيم أساسها حب الآخر وعدم رفضه واحترام إنسانيته وتقبل رأيه ووجهات نظره، ونبذ خطاب الكراهية الذي برز في الفترة الأخيرة بشكل ظاهر، دون أن تمتلك الحكومة حتى الآن برنامجا واضحا للوقوف في وجهه.
الأخلاق كما عرفها علماء الفلسفة كأَرسطو وأفلاطون وغيرهما هي "القدرة على التّمييز بينَ الخير والشَّر عند الأفراد"، ويمكن تعريفها أيضاً من المنظور الفلسفي بأنّها: "الفضيلة التي يَتغلَّبُ فيها الجانِبُ الإلهيُّ على جانِبِ الشهوات وتفضيل المحبوبات والمرغوبات"، ويَرى بعض الفلاسفة أنَّه يمكن تعريف الأخلاق بأنّها "القدرة على ضبط الشَّهَوات بالعَقلِ ومُمارسَة الفَضائِل والمكارم من الصفات وتمييز الحسن من القبيح".
صحيح أن مثل تلك الجرائم البشعة خارجة بكل المقاييس عن قيمنا وأخلاقنا وهي نادرة بشكل عام، بيد أن الجريمة التي وقعت تتطلب منا جميعا حكومة ومراكز بحث وإعلام ومؤسسات مجتمع مدني وغيرها من قوى المجتمع الحية التعاضد لجهة قراءة التطورات والانعكاسات التي يمر بها المجتمع الأردني ورصد تلك التطورات بشكل علمي بعيدا عن خطاب الكراهية أو غير أخلاقي.
الحقيقة الواضحة أن المجتمع بكل أركانه وأطيافه عبر عن رفضه لما جرى في شارع الأردن، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات الرفض والإدانة له وهو تعبير إيجابي وإنساني ليس غريبا عن مجتمعنا الأردني، بيد أنه لا يجوز أن تبقى الأمور في سياق (هبة) آنية عند كل حدث، وإنما يتوجب أن تتنبه الحكومة لما جرى وتذهب باتجاه تعزيز القيم الأخلاقية والحضارية في المدارس والمجتمعات عبر الذهاب فورا لتدريس الفلسفة في مدارسنا وتعزيز المفاهيم الإنسانية بعيدا عن التمترس خلف كل ما له علاقة بالجنس والعرق والدين والمعتقد، ولهذا كله فإنه ولتعزيز فكرة الدولة المدنية التي ندعو إليها فإنه يتوجب على حكومتنا التنبه لأهمية تدريس الفلسفة البعيدة عن أي اصطفاف ديني أو سياسي.
الغد 2017-07-10