الاعتدال والممانعة والتنمية المستدامة
في هذا الزمن الرديء الذي لا يبدو الخروج منه سريعا او حتى مضمونا، استنبطنا تعابير عدة تحاول التغطية على إخفاقاتنا او حتى تصويرها على انها انتصارات. فهزيمة ٥ حزيران أصبحت بقدرة قادر مجرد نكسة حتى بعد خمسين عاما من الاحتلال. سورية أصبحت قلب العروبة النابض ينادي نظامها بالعروبة والوحدة وتحرير الارض بينما لا يمنعه ذلك من قتل مواطنيه واستخدام البراميل المتفجرة وصواريخ سكود من اجل ذلك. اما الثورات العربية فقد أضحت مصدر عللنا وإخفاقاتنا بينما هي في الحقيقة نتاج مباشر لهذه العلل والإخفاقات.
وقد أوجدت القضية الفلسطينية مصطلحات في القاموس السياسي العربي لا علاقة لها بالواقع. وتم ربط مفهومي الاعتدال والممانعة بالموقف من هذه القضية، فالدول التي دعت لحل القضية بالطرق السلمية سُميت بدول الاعتدال، ومن نادت باستخدام القوة اطلق عليها اسم دول الممانعة، واستخدمت المجموعتان القضية الفلسطينية من اجل تمرير سياسات داخلية اقل ما يمكن وصفها بأنها تبتعد عن الحوكمة الرشيدة وإشراك الناس في صنع القرار، بينما وصلت في أسوئها إلى ممارسة البطش الداخلي ولجم الحريات واختفاء الناس وقتل المواطنين. من حق المواطن العربي العادي ان يسأل ماذا يعني الاعتدال او الممانعة ان لم يقد احدهما او كلاهما للتنمية الداخلية وتحسين مستوى المعيشة واحترام حقوق الانسان والمشاركة في صنع القرار؟ هل يسمح الاعتدال العربي تجاه القضية الفلسطينية بعدم وجود مجالس منتخبة لتمثيل الناس او بمحاربة منظمات المجتمع المدني او تكميم الافواه او انكار للحقوق المتساوية للمرأة؟ وهل تجيز الممانعة السلطوية الدموية واحتكار الحكم؟ وهل من المسموح تجاهل مواضيع التنمية الداخلية والحوكمة الرشيدة واعتبارها قضايا ثانوية ما دامت أعلام التغني بالقضية الفلسطينية خفاقة ممانعة أم اعتدالا؟
هناك حاجة لإعادة تعريف الاعتدال والممانعة في الوطن العربي، وعدم اختزالهما بالقضية الفلسطينية التي لم تنجح اي من هذه القوى في حلها. ففي المحصلة النهائية، وفي ضوء فشل جميع القوى في استرجاع فلسطين، فإن اي اعتدال لا يعدل شيئا ان لم يؤدِ الى رفاهية المواطن، وأي ممانعة لا معنى لها ان لم تقد الى التنمية المستدامة واعطاء المواطن صوتا داخل بلده او بلدها. ليس المطلوب دول اعتدال او ممانعة تستمد قوتها من تحالفات خارجية او أمن خشن لفرض الاستقرار بالقوة بينما تطلق يد السلطة لتفعل ما تشاء داخليا، بل المطلوب انظمة تعمل لخدمة شعوبها واشراكها في صنع القرار ورفع مستوى معيشتها بغض النظر عن الشعارات التي ترفعها هذه الأنظمة او التسميات التي تطلقها على نفسها. نضحك على أنفسنا حين نتشبث بشعارات هي في الحقيقة عكس واقعنا، ويضحك العالم علينا.
في القرن الحادي والعشرين، حان الوقت للتخلي عن الشعارات البراقة التي لا تترجم لأعمال، وتوجيه الجهود نحو البناء المؤسسي لدولنا. لم تعد شعارات الممانعة او الاعتدال مقنعة للكثيرين، فإن لم يصبح المعيار الرئيسي لنجاح دولنا أو فشلها هو رفاهية الناس فلا معنى لا لنهج الممانعة ولا لنهج الاعتدال اللذين أخفقا حتى الان في تحقيق الحرية او توفير الخبز.
هل نصبو لزمن ننتبه فيه للأعمال وليس الأقوال، كي تتحول الهزيمة الى نصر، وتغدو العروبة احتراما لحقوق المواطنين، ويصبح الاعتدال عنوانا للتنمية والمشاركة والتعددية؟ هل تستبدل يوما بيارق الممانعة والاعتدال بممارسات جديدة تؤدي الى دول الحوكمة والتنمية؟ وقتئذ نعطي معنى حقيقيا لمواقفنا تجاه القضية الفلسطينية وتجاه جميع القضايا الأخرى.
الغد 2017-07-19