إنجاز في الكم وتقصير في الكيف
من الجائز أن نركز في بداية النهضة على خلق أكبر عـدد من فرص العمل بصرف النظر عن نوعيتها، فالهـدف الأول هو تخفيض البطالة، أما في مرحلة لاحقة فيتحول الاهتمام إلى نوعية الوظائف من حيث الإنتاجية والمردود.
ومن الجائز أن نركز في بداية النهضة على فتح أكبر عدد من المدارس، وتعيين أكبر عدد من المعلمين، لتعليم أكبر عدد من الطلبة، بصرف النظر عن نوعية المدارس وكفـاءة المعلمين ومستوى الخريجين، فالهدف الأول هو القضاء على الأمية وليس إيجاد علماء ومثقفيـن.
ومن الجائز أن تركز منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة في السنوات الأولى من عمرها على قيمة الاستثمارات الواردة، بصرف النظر عن نوعيتها وتأثيرها على الاقتصاد الوطني والنمو، فالهدف الأول هو اجتذاب أكبر عدد من ملايين الدولارات للاستثمار في البلد، وليس تلبية أكثر الاحتياجات أولوية.
ومن الجائز في بداية النهضة أن نركز على بناء أكبر عدد من المستشفيات، وتخريج أكبر عدد من الأطباء والممرضين، بصرف النظر عن الإمكانيات العلمية لتلك المستشفيات، أو المستوى المهني للأطباء والممرضين، فالهدف هو تأمين معالجة المرضـى.
ومن الجائز في بداية النهضة أن ننشئ أكبر عدد من الجامعات الرسمية، وأن نعطي أكبر عدد من الرخص لإنشاء جامعات خاصة، بصرف النظر عن المستوى الجامعي وجودة الخريجين، فالهدف ديمقراطية التعليم، وإتاحته لأكبر عدد من الراغبين، وليس بالضرورة إيجاد العلماء والخبراء المتميزين.
نستطيع أن نستمر في ضرب الأمثلة التي تتناول كل أو معظم مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فما زلنا في مرحلة الكم، وما زلنا نقيس نجاحنا بمقاييس كمية، بل إن الحكومة تتباهى بحجم الإنفاق الرأسمالي، وليس بمردود هذا الإنفاق ونوعية المشاريع.
آن الأوان لأن ندخل مرحلة جديدة، ونصبح أكثر انتقائية في تصرفاتنا وسياساتنا وقراراتنا، فنسبة الأطباء إلى عدد السكان، ونسبة الجامعيين في الأردن تضاهي مثيلاتهـا في الدول المتقدمة من الناحية العددية، ولكنها قاصرة كثيراً من حيث النوعية والمسـتوى.
يكفينا نجاحات كمية، وعلينا بعد اليوم أن نسعى للنجاح النوعي، فنوجـد الموظف الخلاق، والطالب المتميز، والمعلم الجيد، والاستثمار المجدي، والطبيب المختص، والمستشفى الراقي، والجامعات المتميزة.
الرأي 2017-08-03