التطرف المتغلغل في حياتنا لكنا لا نعترف به
تتحول "مواجهة التطرف" إلى برامج معزولة تثير السخرية، وفي الوقت نفسه يبدو واضحا في الشأن العام والمتابعة أن التطرف منتشر ومتمكن في الحياة اليومية والافكار والمعتقدات والمشاعر والسياسات والممارسات، لكن أحدا لا يريد الاعتراف بوجوده ولا حتى مناقشته مناقشة حقيقية عامة ووطنية، برامج الانتخابات على سبيل المثال سواء في الانتخابات النيابية او البلدية واللامركزية لا ترى التطرف موضوعا يستحق التفكير والجدل وتقديم المرشحين لأنفسهم أمام الناخبين.
ثمة إجماع تقريباً بأن ظاهرة التطرف مرشحة للبقاء والنمو لسبب واضح هو أنها تحظى بقواعد اجتماعية واسعة وبمصادر آمنة للتجنيد والحشد والتمويل، وأنها حال لا يمكن مواجهتها أمنياً أو فكرياً. وبطبيعة الحال، فإن العنف والكراهية على مدى التاريخ والجغرافيا هما حال اجتماعية تنشئ أيديولوجيتها الملائمة لها، ومن ثم فإن الحل لتغيير أفكار الناس، كما رأى ماركس، يستدعي تغيير واقعهم.
هكذا، فإن الإرهاب أساساً هو نوع من انواع الصراع الاجتماعي، وهذا يعني بالضرورة أنه باق ومستمر على نحو دائم، وأنه يأخذ حالات وأشكالا متعددة، وأن الآيديولوجيا سواء كانت دينية أو قومية أو وطنية ليست جزءاً أصلياً أو بنيوياً في هذا الصراع، ولكنه مورد إضافي يتمّ استحضاره وتوظيفه في الصراع، ومن ثم فإن مواجهة الإرهاب والتطرف والتوظيف غير الصحيح للدين والخروج على الدولة والقانون باسم الدين يجب أن تقوم في شكل رئيسي على الفصل بين الدين - التدين والصراع القائم، وضرورة النظر إلى الصراع باعتباره اجتماعياً واقتصادياً.
السياسات الاجتماعية والاقتصادية الإصلاحية تفشل أو تتعثر إن لم تصحبها سياسات باتجاه الفصل بين الدين والصراع الاجتماعي والسياسي والأزمات الاجتماعية والثقافية القائمة. وفي ذلك فقط يمكن إضعاف المتطرفين والخارجين على الدولة والقانون باسم الدين وعزلهم، ووضع الدين والتدين في السياق الصحيح لسياسات الدولة والمجتمع وأهدافهما في الإصلاح والارتقاء بالنفس والتماسك الاجتماعي، وإزالة الحواجز التي تعوق اندماج المواطنين في برامج الدولة والمجتمع وتعزيز مشاركتهم على أساس قضاياهم وأولوياتهم الأساسية وكما هي في جميع الدول والمجتمعات والقائمة على تحسين مستوى الحياة والرفاه والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وحصر الصراع السياسي والاجتماعي في قضيته المنشئة ووقف حلقات الشر التي تطور الخلاف والصراع إلى سلسلة من الصراعات المدمرة والمختلفة عن القضية الأصلية المنشئة هذا الصراع، وتطوير الخلاف بين الحكومات والمعارضين أو بين الدولة والمجتمعات أو طبقات أو فئات اجتماعية معينة إلى خلاف سلمي محدد يستخدم في تسويته المبادئ العامة والسلمية من التأثير والجدال والحوار والرأي العام والإعلام.
هناك الكثيرون ممن يؤيدون التطرف ينطلقون من أسس غير موضوعية أو غير متصلة مباشرة بالتدين والفهم المتطرف للدين، مثل البحث عن المعنى والجدوى والشعور بالخواء والندم، الشعور بالتهميش الاقتصادي والاجتماعي بالنسبة لأفراد أو فئات اجتماعية أو مهنية أو اقتصادية، أو الشعور بعدم العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
وبالنظر إلى التطرف على أنه مؤشر اجتماعي، فإن ذلك يساعد على تصحيح السياسات والبرامج الاجتماعية والثقافية ومراقبتها ومراجعتها، والتأكد من أنها تخدم تطلعات المواطنين بعامة والشباب بخاصة إلى المعنى والجدوى وتشجعهم على الاندماج الاجتماعي والمشاركة الاقتصادية والعامة وبناء أدوات سلمية وإيجابية في العمل والتأثير، وبذلك فإنه يمكن التأكد أيضاً من أن المنظومات الاقتصادية والسياسية وإدارة الموارد والإنفاق تخدم الهدف الأساسي لها وهو التقدم والتنمية. ولعله يمكن في المحصلة أن نكوّن مثل هذا العالم القائم على مجتمعات شريكة ومستقلة، تتحمل مسؤوليتها وتواجه بنفسها تحدياتها التي لا يمكن الدولة أو الشركات أن تؤديها بالنيابة عنها.
الغد 2017-08-03