"هيروشيما.. هيروشيما"..!

تم نشره الأحد 06 آب / أغسطس 2017 12:58 صباحاً
"هيروشيما.. هيروشيما"..!
علاء الدين أبو زينة

في مثل هذا اليوم قبل 72 عاماً، في تمام الساعة الثامنة والربع من صباح 6 آب (أغسطس) 1945، كفَّت مدينة هيروشيما اليابانية ومعظم سكانها عن الوجود. كانت 43 ثانية، هي الفترة بين إسقاط القنبلة الذرية من الطائرة الأميركية وانفجارها على ارتفاع 469 متراً فوق المدينة، كافية لإتمام أكبر مجزرة جماعية للمدنيين في التاريخ بضربة واحدة. ولم يكمل سكان هيروشيما اليوم ولا رحلة الحياة.
140 ألف إنسان فاجأتهم القنبلة الأميركية وهم يفتتحون يومهم، خارجين في الصباح إلى أعمالهم ومدارسهم. ويروي الذين أفلتوا بأعجوبة من القنبلة وظلوا على قيد الحياة، قصصاً مروعة عن لحظة الانفجار الوحشية وما أعقبها من هَول. ثمة الفتاة التي نظرت في ضوء الشمس الصباحية بفضول إلى الطائرة الفضية ولم تشتبه في شيء. وثمة الآخرون الذين لم يثر خوفهم مرور طائرة واحدة، وهم المعتادون على رؤية أسراب من طائرات القصف، فلم يهربوا إلى الملاجئ. كلهم اصطادتهم القنبلة وأسلمتهم إلى العدَم.
بعد ثلاثة أيام فقط –وكأن الجريمة لم تكن كافية- قتلت أميركا بقنبلة نووية أخرى 40 ألفاً آخرين في ناغازاكي. وركعت الإمبراطورية اليابانية على ركبتيها. وانتهت الحرب. أو، هكذا تقول كتب التاريخ. لكن المجازر بالأسلحة الأميركية لم تتوقف لحظة واحدة بعد ذلك، وكنا نحن أكبر الضحايا. ففي العراق وحده، في ثلاث سنوات بين بداية الغزو في 2003 و2006، قُدر عدد ضحايا الحرب بما بين 650 ألفاً، ومليون وثلاثة وثلاثين ألف إنسان. (أضعاف أضعاف ضحايا هيروشيما وناغازاكي). وهؤلاء جزء لا يُذكر من عدد الضحايا في العراق في 11 عاماً بعد 2006؛ والضحايا في فلسطين طوال عقود بتمويل ودعم أميركا، وضحايا اليمن، وليبيا وسورية –والأعداد في ازدياد. 
الشاعر محمود درويش سجل استمرارية استهداف الضحايا المدنيين، من هيروشيما إلى بيروت 1982، بالقنابل الذرية أو العنقودية، لا فرق. كتب: " هيروشيما هيروشيما/ وحدنا نصغي إلى رعد الحجارة هيروشيما/ وحدنا نصغي لما في الروح من عبث ومن جدوى/ وأمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية/ يا هيروشيما العاشق العربي، أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا". واليوم، نتذكر ضحايا هيروشيما ونضيفهم إلى ضحايانا، ولا نعرف متى سيعطي القاتل نفسه، حارس "القيَم"، الأبرياء فرصة للحياة.
* * *
القتلة دائماً يشغلون الشعراء عن رصد الجماليات إلى وصف المجازر. وثمة الشاعر الياباني تيج سانكيتشي، الذي استهلكه تماماً تسجيل فجيعة القتل النووي، وطغى الموتُ على كل ما عداه. وكتب في قصيدته "6 أغسطس":
"هل يمكن أن ننسى الوميض؟/ فجأة، 30.000 في الشوارع اختفوا/ وفي أعماق الظلام المسحوق/ ذوَت صرخات 50.000.
"عندما نحَل الدخان الأصفر المدوِّم/ انقسمت المباني، والجسور انهارت/ والقطارات المعبأة احترقَت/ ركامٌ بلا ساحِلٍ من الأنقاض والجسور –هيروشيما، صف من الأجساد العارية السائرة في مجموعات، تُعوِل/ الجِلد متدلٍ مثل الخرق/ الأيدي على الصدور/ تمسك بنسيج الجِلد المتهدِّل/ والملابس المحترقة تغطي الوركَين.
"جثث على أرض المعارض مثل صور حجرية لجيزو، منثورة في كل اتجاه/ وعلى ضفاف النهر، يتكومون واحدا فوق الآخر، مجموعة زحفوا نحو طوف مربوط".
***
"عندما أشرقت شمس الصباح على فتيات المدرسة الثانوية/ اللواتي هربنَ، وتمددن، على أرضية مخزن الأسلحة، في البراز/ البطون منفوخة، وعينٌ مسحوقة، نصف أجسادهن لحمٌ نيء/ جلدُهُنّ ممزق، بلا شعر، وتستحيل معرفةُ من كُنّ/ كلهنّ توقفن الحراك/ الرائحة راكدة، كريهة/ ولا شيء سوى صوت أجنحة الذباب تئزُّ حول الأحواض المعدنية.
"مدينة الـ 300.000/ هل يمكن أن ننسى هذا الصمت؟/ في ذلك السكون/ ثمة التوسل اليائس في محاجر عيون الزوجات والأطفال، الذين لم يعودوا إلى البيت/ الذي مزق قلوبنَا مِزقاً/ هل يمكن أن يُنسى؟!"

الغد 2017-08-06



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات