سوريا.. دورة جديدة للتاريخ !!
سألني صاحبي: ماذا قصدت عندما كتبت أن ما يحدث في سوريا يشكل حدا فاصلا بين تاريخين؟!
كتبت هذه العبارة أكثر من مرة في ألآونة الأخيرة في ضوء التطورات المتسارعة على الصعيدين السياسي والعسكري في الساحة السورية الملتهبة، مستندا الى حركة التغيير في التحالفات التي فاقت سرعة الصوت والضوء معا، اضافة الى ما تحقق ويتحقق من واقع جديد على الأرض.
ما يحدث في سوريا يشكل حدا فاصلا بين تاريخين، وعلى صعيدين، الأول سوري وطني محلي، والثاني عربي واقليمي.
على الصعيد الوطني الداخلي، وبسبب وحدة وتماسك وصمود الدولة والنظام والجيش والمؤسسات والحزب، وإفشال المشروع التقسيمي المشبوه، صار من الممكن، ان لم نقل الحتمي، فرض الحل السياسي للأزمة في اطار النهج السوري الجديد، وعلى قاعدة المسامحة والمصافحة والمصالحة الوطنية، والقبول بصياغة دستور جديد للبلاد يضمن مشاركة كل الأطياف والطوائف في صياغة مستقبل سوريا وشعبها، بالوسائل الديمقراطية السلمية.
اعتقد أن الدولة السورية بكل مؤسساتها الأمنية والسياسية، استفادت من تجربة العراق المرة، فأخذت احتياطاتها ورسمت خططها لمواجهة السناريو المتمثل بهذه الهجمة الشرسة التي اقتربت بحجمها وادواتها الأرهابية من الحرب الكونية، والحقيقة أن السوريين نجحوا في افشال المشروع التقسيمي، وسينجحون في احتواء الأزمة وفرض الحل، وفتح باب المشاركة في الحياة السياسية امام كل الأطراف والأطياف السياسية.
نعم، استفاد السوريون من التجربة العراقية، فما يحدث في العراق اليوم مؤلم، ولا اعتقد أن حكام بغداد قادرون على ايجاد حلول واقعية للآزمة في وطنهم النازف دمه والمستنزفة ثروته، والذي ما زال يعاني من تبعات وتداعيات وآثار الأحتلال، لكثرة الأطراف اللاعبة في ساحته الداخلية، والقبول بمبدأ المحاصصة الذي فرضه دستور بريمر التقسيمي، وهي أسباب منعت تحقيق المصالحة الوطنية، وحافظت على استمرارية سياسة رفض الآخر، والأنفراد بالحكم لأسباب تاريخية وجغرافية مرتبطة بأجندات خارجية، ولأن معظم الحكام الجدد عالقون في الماضي محاصرون بسذاجتهم وحلمهم البدائي في عالم متغير متجدد.
أما تداعيات ونتائج ما يحدث في سوريا على الصعيد العربي والإقليمي، استطيع التاكيد ان الصمود السوري بدد أوهام كل من خطط أو تورط في مشروع الشرق الأوسط الجديد، لأن في سوريا، وعلى صخرتها الصلبة تحطمت قرون «الربيع العربي» ورياحه المسمومة. ولا أعتقد، بعد اليوم، أن في الجعبة العربية المزيد من الخناجر، كما لم يعد في المساحة العربية متسع لمزيد من الخيام، أو شلالات الدم.
نرى في سوريا اليوم أول الأرض العربية ونهاية الرحيل والفوضى والردة. وبعد سوريا كل الذين جربوا حرية «الربيع العربي» ورحبوا بها لعنوها، لأن «ربيعهم» لم يمنحنا روعته وورده ونسماته، بل حمل الينا في طياته سلالة الموت والأنتحار من كارهي الحياة والجمال، كما أن سماءهم أمطرت بلادنا العربية قنابل وغزاة.
اليوم، واذا صح القول، وتحقق الوعد بوقف تمويل وتسليح وتدريب مسلحي التنظيمات المتطرفة الأرهابية، فهذا يعني نهاية الشوط وبدء وضع الخاتمة، وبداية الرهان على تحديد موعد الضربة القاضية لهذه التنظيمات التي بدأت تتفكك وتتقهقر الى حدود الهروب الأكبر، وبالتالي حل الأزمة في سوريا، مع ضرورة التذكير والتأكيد بان سوريا ستكون بوابة الحل لكل الأزمات في البلاد العربية التي دمرتها الحروب والفوضى والأرهاب، وفي مقدمتها ليبيا واليمن، كما ستنتهي موجة الأرهاب في سيناء وتونس ولبنان.
بعد الحسم في سوريا ، سيقف العرب على عتبة مرحلة كتابة حروف وكلمات نهاية التراجيديا العربية بكاملها ، وهي فرصة ستعيد لنا روحنا وهويتنا في دورة جديدة للتاريخ أو ما بعده.
الراي 2017-08-10