المصالح التي صارت معتقدات

تم نشره الخميس 10 آب / أغسطس 2017 12:24 صباحاً
المصالح التي صارت معتقدات
إبراهيم غرايبة

تتبع الدول والمجتمعات في علاقاتها وتجاربها، القيم والأخلاق التي تدور حولها المؤسسات السياسية والعامة، أو تستهدف تغييرها وتطويرها الحركات والتيارات السياسية والاجتماعية. ولكنها قيم وأخلاق يفترض أن ينشئها موقفٌ عقلاني، فإذا لم تكن الأخلاق والقيم عقلانيةً، فإن السلوك السياسي والاجتماعي، الفردي والجمعي، يتحول إلى تسوياتٍ غير أخلاقية، ويزود التخلف بمبرّراتٍ ومسوغاتٍ دينية أو اجتماعية وثقافية.
ويتصرّف الناس، دولا ومجتمعات وأفرادا، معتقدين أنهم على صواب، ولديهم أسباب جيدة لتفسير موقفهم، وتحيط باختياراتهم الرغبات العاجلة والمباشرة، والضغوط الناشئة عن الموقف، والميل إلى نسيان حياة الآخرين وتجاربهم وتجاهلها، وحدود قدراتهم على تدبر نتائج أفعالهم وعواقبها. لكن في هذا الاعتقاد بالصواب وعدم القدرة على رؤية احتمال خطأ الذات وصواب الآخر ومعقوليته، يتحوّل الموقف إلى معتقدٍ راسخ لا يقبل الجدل والمراجعة، ثم في تكرار الأفعال التي نحسبها صوابا نتحوّل إلى لا مبالين بأفكار الناس ومواقفهم ومعاناتهم، فلا نعود نرى إلا ذواتنا.
والحال أن النزعة البشرية في تاريخها الطويل، وفي آليات الدفاع عن الذات، تميل إلى التعامل مع العالم المحيط من دون مساواة في اعتبارات عديدة، تقول كاثلين تايلور: نحن (البشر) بطبعنا وما جبلنا عليه نهتم بأقاربنا (أو الأقارب الرمزيين) وبمن نرى أنهم أعضاء أقوياء في جماعتنا، وبالمعتقدات التي تتفق مع ما نعتقده ونراه، إننا بالطبيعة نولي اهتماما أقل بالغرباء وللناس الأقل في المكانة الاجتماعية أو للأفكار التي تناقض معتقداتنا، ونحن محدودو القدرة على تنظيم المعلومات، ونجهل كثيرا مما تخبرنا به حواسّنا، لأنها لا تتناسب مع ما نريد أن نعتقده وما يرضينا، كما أننا نبتعد عن الموضوعية في رؤيتنا للحياة بمرور الوقت، ونعتبر النتائج المستقبلية والعواقب البعيدة شيئا أقل في الأهمية من الأحداث المعاصرة أو القريبة، وهي ظاهرةٌ يطلق عليها علماء النفس إسقاط الزمن من الاعتبار. 
يمكن أن يقلل التعليم من سيطرة المعتقدات الزائفة، فالمعرفة بالحقائق ومعرفة كيف نفكر سوف تساعدنا في كشف ملايين الأشكال من الهراء الذي يقدّمه من يستفيدون كثيرا من إقصاء الآخر. ويمكننا أيضا أن نعلم أطفالنا التاريخ الصحيح والأفضل، وليس معنى ذلك أن نعيد سرد الأخطاء القديمة، أو نجلد من ارتكبوها، وحسب نظرية الكم لعالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل هايزينبرغ، فإن طبيعة الملاحظة تغير من طبيعة الذي نلاحظه، ويساعدنا التعلم من المجتمع أو التبرير الذي يأتي فيما بعد في أن نرى أنفسنا كما يرانا الآخرون، وهذا أيضا يشكّلنا في صورةٍ تتماثل بشكل أفضل مع مدركات الناس عنا وما "يرونه" فينا، ويصل ذلك بنا إلى أن نتبنى توقعات الآخرين عنا، كما لو كانت توقعاتنا نحن، فيصبح ما يتوقعونه لنا هو ما نصير إليه، إننا بذلك نشاركهم معتقداتهم، ونرغب فيما علّمونا أن نرغب فيه. 
طواعية التشكل وسهولة الانقياد عنصران حيويان ومهمان في أسلوب حياتنا الحديث؛ فذلك يبقينا متوائمين اجتماعيا، وليست كل احتياجاتنا حتميةً كما تعلّمنا أن نعتقد. لكن، لسوء الحظ، يمكن أن تصبح قيمة المعتقدات التي تخلق التحدّي والصراعات من الغير كبيرة نتيجة لذلك، وقد تصعد أحيانا إلى مرتبة المبادئ المقدسة، كما أن بعض المعتقدات يؤدي إلى الصراع، مثل فكرة أن لنا جميعا الحق أن تُحترم معتقداتنا القوية، مهما كان محتواها، وهناك جماعة من الناس تشجع إضفاء القداسة على مبادئها ومعتقداتها، لأنهم هم الذين يستفيدون من ذلك، ويساوون بين نقد هذه المعتقدات وعدم الاحترام، ثم وبفضل الدعاية الماهرة تتحول مصالحنا ومخاوفنا إلى فلسفة وعقائد متماسكة نحارب الآخرين لأجلها.

الغد  2017-08-10



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات