مسار جديد في شبه الجزيرة الكورية
هل من الممكن ان يتحول قرار مجلس الامن بفرض عقوبات على كوريا الشمالية بمباركة روسية صينية الى بوابة واسعة لحوار استراتيجي يضم سيؤول وموسكو وبكين وطوكيو مستقبلا، بشكل يهمش الدور الامريكي، ويحد من نفوذه في الهادي ومنطقة جنوب شرق اسيا؟ سؤال مشروع، وتساؤل من الممكن ان يجيب عنه النشاط الياباني والكوري الجنوبي الاخير.
اذ نقلت وكالات الانباء خبرا عن لقاء بين وزير خارجية كوريا الشمالية ووزير خارجية كوريا الجنوبية على هامش مؤتمر اسيان؛ بهدف طرح مبادرة للحوار بين الدولتين الامر الذي تعاملت معه كوريا الشمالية ببرود في ظل التصعيد الامريكي والعقوبات الجديدة التي فرضت عليها، معتبرة ان الدعوة المقدمة من كوريا الجنوبية غير جدية.
نزعة سيؤول للحوار تسير بالتوازي مع قراءة يابانية على الارجح تسعى الى معالجة الازمة في البيت الاسيوي بعيدا عن الولايات المتحدة الامريكية؛ فالشعور بانعدام الجدية والقصور لدى الولايات المتحدة الامريكية في مواجهة التهديدات الكورية الشمالية لم تعالجه العقوبات والتهديدات الاخيرة لترمب؛ اذ من الصعب تجاهل الدور الصيني والروسي في المساعدة على فرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ؛ باعتباره العنصر الهام في بناء معادلة جديدة لا تعتمد بالمطلق على الجهد الامريكي إنما على نشاط وجهود طوكيو وسيؤول وبكين وموسكو.
اليابان اصبحت اكثر نزوعا للاعتماد على الذات واقل نزوعا لتوسيع المواجهة؛ اذ اسهمت حالة الارتباك الامريكية الاخيرة في دفع وزير شؤون التجارة في الحكومة اليابانية» ايساكي أوكينافا» للدعوة إلى إعادة النظر بالاتفاق الياباني الأمريكي حول وضع القوات الأمريكية في بلاده، حسب ما أفادت به وكالة «كيودو» اليابانية وهو الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في العام 1960؛ فالرغبة في احتواء كوريا الشمالية وتجنب الانخراط في صراع دولي مع روسيا والصين تدفع كلاً من طوكيو وسيؤول على الارجح لاستثمار العقوبات على بيونغ يانغ بفتح حوار بعيدا عن حالة الارتباك الامريكي والمصالح المرتبطة بها وعلى رأسها احتواء روسيا والصين التي يعمقها ويزيدها غموضا الازمة الداخلية في الولايات المتحدة والدائرة حول الدور الروسي في الانتخابات الامريكية وتراجع الثقة بسياسات رئيسها وقدرته على اتخاذ قرارات سياسية حاسمة ومدروسة.
الازمة والصراع يزداد تمحورا وتركزا على العلاقة الامريكية الكورية الشمالية والتصارع الروسي الصيني مع الولايات المتحدة الامريكية، وهو ما يمكن تلمسه في الخطاب السياسي المرتبط بالازمة والتصريحات المرافقة لها من الاطراف المنخرطة فيها، وهي المعركة التي لا ترغب طوكيو وسيؤول في خوضها في ظل التوتر الحاصل في العلاقت الروسية الامريكية، والخطاب الجديد لكوريا الشمالية الذي يركز على القواعد الامريكية في الهادي دون الاشارة الى طوكيو وسيؤول؛ فكوريا الشمالية لا تكل ولا تمل في استفزاز ادارة ترمب واظهار عجزه او دفعه الى التهور من خلال التهديد باستهداف القوات الامريكية في جزيرة غوام.
فالتهديدات الامريكية وحالة التخبط والفوضى التي تشهدها الادارة الامريكية ترسم معالم معادلة جديدة بمسارات جديدة تقف على رأسها الصين وروسيا، وتمثل حافزا كبيرا لطوكيو وسيؤول للتحرك واتخاذ مسافة معقولة تجنبها التبعية المطلقة للسياسية الامريكية المرتبكة، والتي كان احد أوجهها التسريبات التي قدمتها شبكة فوكس نيوز لتقرير امني تناول نقل كوريا الشمالية لصواريخ كروز عبر البحر؛ ما يعني ان الادراة الامريكية لا زالت تراوح مكانها وتعاني من ازمة داخلية وتجاذبات قوية عنوانها التسريبات.
الاطراف المنخرطة في الازمة الكورية سواء كانت سيؤول او طوكيو لن تكتفي في المرحلة المقبلة بالاعتماد على الولايات المتحدة كضامن للسلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية وجنوب شرق اسيا؛ اذ من المتوقع ان تنشط وان توسع من هامش حركتها لتشمل الصين وروسيا مستفيدة من موقف الدولتين الايجابي في مجلس الامن التي لم تعارض العقوبات الجديدة على كوريا الشمالية.
قرار مجلس الامن الاخير فتح الابواب لمعادلات جديدة على الارجح؛ فضبط سلوك كوريا الشمالية يتطلب مناورات واسعة وانفتاحا كبيرا على موسكو وبكين كما يتطلب الابتعاد ولو لمسافة قصيرة عن الولايات المتحدة وخطابها السياسي المحير؛ مسافة ستتسع على الارجح بمرور الوقت؛ ما يعني ان الولايات المتحدة الامريكية قد تجد نفسها معزولة قريبا في شبه الجزيرة الكورية فلا احد يريد ان يخوض المواجهة وفق المعايير الامريكية، ولعل دعوات وزير التجارة اليابان مؤشر على وجود رغبة يابانية في عزل وفصل المصالح اليابانية والامريكة عن بعضها البعض. مسألة واحتمال من الممكن أن يبدو مستبعدا الان انه يمثل افقا جديدا يستحق المراقبة والتتبع، انها بوابة جديدة وثغرة واسعة لا يمكن تجاهلها للنظر الى المستقبل؛ فمراقبتها ومراقبة التطورات المرتبط بها بات يقرأ بلغات عدة إحداها تهديدات بيونغ يانغ للقواعد الامريكية في المحيط الهادي في جزيرة غوام وتجنب ذكر كوريا الجنوبية واليابان.
السبيل 2017-08-10