فتى الوطن الذي نبت في غزة

تم نشره الجمعة 11 آب / أغسطس 2017 12:37 صباحاً
فتى الوطن الذي نبت في غزة
أجمد جميل عزم

قرأت هذا الأسبوع كثيراً عن غزة قبل ستين عاماً، وذلك على وقع اشتداد الانقسام الفتحاوي- الحمساوي حالياً. 
لطالما غنى شبان، في رحلاتهم ومناسباتهم أغنية "أنا يا أخي.. آمنت بالشعب المضيّع والمكبل.. وحملت رشاشي لتحمل بعدنا الأجبال منجل...". وهذه الاغنية للفرقة المركزية الفلسطينية، لا يزيد وقتها على دقيقة واحدة و38 ثانية، كنّا نغنيها في الرحلات والمناسبات الوطنية ويمتد غناؤها حينها دقائق طويلة. والمعلومة التي سمعتها يوماً من أحد المحاضرين، أنّها أغنية كتبها الشاعر الشيوعي معين بسيسو، وأنّه في المنجل كان يشير لرمز العلم الشيوعي الأحمر، وهاجمه المحاضر، على أساس أنّ هدفه منحرف. في داخلي رفضت فكرة أنّ الشاعر يشير لرمز شيوعي (مع حقه بأن يشير لما يريد وأن يحلم بما يشاء)، وقلت إنّ المنجل رمز الحقل والزراعة والشجاعة، وكلها فلسطينية. لكن ما تسرب لي من القصة أنّ معين بسيسو هو كاتب القصيدة. والحقيقة التي اكتشفتها أثناء كتابة هذا المقال أنّها شعر (فتى الثورة) سعيد المزين.
كثيراً ما تُروى قصة العدوان الثلاثي على مصر وغزة عام 1956 بصفتها تجربة مهمة أسفرت لاحقاً عن تبلور الحركة الوطنية الفلسطينية، خصوصاً التقاء اليساريين والإسلاميين في القطاع بجبهة وطنية موحدة (تحولت لاحقاً لما يعرف باسم جبهة المقاومة الشعبية)، رغم تبايناتهم السياسية، وناضلوا، أو حاولوا النضال، ضد الاحتلال الذي وقع في ذلك العام. والمقصود بتبلور الحركة الوطنية بروز فصائل فلسطينية خاصة، وليست جزءا من حركات قومية وأممية وإسلامية. وما أن تروى قصّة "فتح" مثلا، حتى يروى كيف أثرت تجربة نضال 1956، في فكر الشباب الذين أوجدوا "فتح" لاحقاً. وتجد هذه القصة مثلا في كتاب الصديق حسان بلعاوي، الذي صدر مؤخراً، "غزة والحركة الوطنية الفلسطينية" الذي صدرت طبعته العربية (بعد الأصل الفرنسي)، مؤخراً، من دار الشروق. وحسان هو ابن فتحي البلعاوي الملقب بـ "أبو الوطنية". 
قرأت هذا الأسبوع عدا كتاب حسّان، كتاب دفاتر فلسطينية، لكاتبه معين بسيسو، الذي أعاد أبناؤه نشره، عام 2014. ويروي كيف نشأ الحزب الشيوعي الفلسطيني في غزة في الخمسينيات، رفضاً للانضمام لأحزاب شيوعية أخرى. وكتب بسيسو الشيوعي بمحبة كبيرة لا تخلو من نبرة غيظ عن فتحي البلعاوي، أحد رموز الإخوان المسلمين في غزة، في الخمسينيات. والمحبة نتيجة لوطنية البلعاوي، والغيظ الضمني، أنّه لم يكن بإمكان الحزب الشيوعي كسب جماهيرية كافية لبلورة مشاريع نضالية، مثل رفض توطين الفلسطينيين في سيناء منتصف الخمسينيات، أو إنشاء نقابة معلمين، لولا دعم البلعاوي. 
يروي بسيسو كيف وقع الإخوان والشيوعيون ضحية ملاحقة قاسية جداً من قبل نظام جمال عبدالناصر. ولكن في القاهرة، في السجن الأقرب للمسلخ، وللجحيم، كان الإخوان المسلمون المصريون يوضعون في طابقين، والشيوعيون في طابق، ولكن في الأسفل، وفي طابق واحد جمع الفلسطينيون سوياً، إخوانا، وشيوعيين، وسوى ذلك. كان مشهد السجن الواحد في كتاب بسيسو، إشارة تجربة لا تقل أهمية عن تجربة الجبهة الواحدة عام 1956، هناك شكّل أيضاً مع البلعاوي لجنة قيادة وطنية للسجن، مثلما شكلا معاً لجانا أخرى في الخارج. ويروي بسيسو أيضاً، كيف زاره صلاح خلف، الإسلامي، في المعتقل، ليهرّب، قصيدتين كتبتا على ورق السجائر، ومعهما رسالة سياسية.
لم يكن الشبان الذين أطلقوا "فتح"، وفصائل أخرى، لاحقاً سوى فتية في غزة، آنذاك، أو أنهوا دراستهم حديثاً، وكانوا طلبة البلعاوي وبسيسو ومن كان معهم، من الوطنيين، أو سبقهم البلعاوي لتأسيس رابطة طلبة فلسطين. وأحد تلامذتهم، على ما يبدو، هو سعيد المزين، الإسلامي، الذي قام مع كمال عدوان وأبو يوسف النجار وخليل الوزير بعمليات فدائية مبكرة، بنفَس إسلامي في الخمسينيات. لذلك فمن كتب أغنية المنجل هو إسلامي، تربى على يد وطنيين يساريين وإسلاميين، وصار فتى "فتح" ومن شعرائها.
لاحقاً رغم أن البلعاوي ظل متفرغاً للتربية والتعليم، إلا أنّه كان مؤسساً لفتح، وبكلمات أدق كان معلماً أو مرشداً لمؤسسيها. وظل بسيسو يسعى لوحدة الشيوعيين تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
التقى الإخوان والشيوعيون والبعثيون في غزة، ومن بعضهم خرجت "فتح". كانت غزة جامعة الوطنية ومهدها، عندما كانت البوصلة واضحة.

الغد 2017-08-11



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات