تدجين الذئاب البشرية!
كنا حتى وقت قصير نعف عن استعمال كلمة «الإرهاب» واعتدنا أن نسبقها بتعبير «ما يسمى بـ» أما اليوم فبعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فبتنا نقولها بملء الفم، أن القتل الأعمى في برشلونة أو موسكو، أو لندن، أو الخليل، هو إرهاب مكتمل النصاب، إرهاب تمارسه عصابة قتل، سواء كانت «دولة احتلال» أو داعش، أو ذئب متوحد، من لا يجد حرجا ولا ترتجف يده حين الضغط على زر الموت، أو زناد البندقية، لقتل من لا يعرف اسمه حتى، فهو إرهابي، ويبدو أن هذا الوباء المنتشر بكثافة بات أخطر ما يهدد الحضارة المعاصرة، فهو لا يستثني ملهى أو مسجدا أو كنيسة أو كنيسا، أو شارعا أو سوقا، بغض النظر عن مرتاديه، الذين يتحولون إلى قطع ومزق متطايرة، دون أن يعرفوا لماذا، فقط لأن ثمة «قاتلا» مأجورا، أو مغسول الدماغ، قرر أن يصعد إلى السماء، وسحب أكبر عدد ممكن من الأرواح معه!
في أي جريمة يتكرر وقوعه، ثمة خطط لاستئصالها بتجفيف منابعها أولا، ومحاصرة المستفيدين منها، كي يقطع دابرها، حتى الآن لا يتم انتهاج هذا السلوك العلمي في معالجة ظاهرة الذئاب البشرية، المستعدين للقتل بدون تردد، وبدون وجود «متهمين» مدانين، فالقتل هو هدف بحد ذاته، ولا يتم معالجة هذه الكارثة إلا بخطة من ثلاث شعب متكاملة ومتضامنة، وفي وقت واحد، وبدون هذه المعالجة فسيبقى الإرهاب مسيطرا وكامنا لنا وراء الأبواب، وفي المناطق المعتمة!
الشعبة الأولى، مكانها فلسطين، حيث يتعلم الفتية اليهود منذ نعومة أظافرهم أن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، صحيح أن هذه المقولة قديمة ومهترئة وبالية، ولكنها لم تزل قيد الاستخدام، وتكمن في لبن تشريعات الاحتلال، ومنظومة المجتمع الصهيوني، فالدم الفلسطيني ليس رخيصا فقط، بل مهدور أبدا، ولا يعاقب من يهدره، وقتل أي فلسطيني هو في عرف وقانون الاحتلال «دفاع عن النفس» أما رمي حجر من طفل فلسطيني باتجاه مستوطن محتل مغتصب للأرض والعرض، فهو «إرهاب» كل تشريعات الصهاينة تشريعات عنصرية وكلها تصب في إعادة إنتاج نظام الفصل العنصري «الأبارتهايد» في جنوب إفريقيا، وهو بيئة حاضنة لإنتاج التطرف المنتج للإرهاب، ومصدر إلهام دائم للذئاب البشرية، وبدون تجفيف منابع العنصرية والاحتلال، لا يحلمن أحد بوقف استيلادها وتربيتها ورعايتها، فالظلم اليومي والقتل المجاني الذي يجده الفلسطيني على أرضه من المحتل الغاصب يوفر تغذية دائمة لإنتاج الذئاب وتسمينها!
الشعبة الثانية مكانها العالم كله على وجه العموم، والبلاد الإسلامية على وجه الخصوص، وهي متعلقة بالتوقف فورا عن ملاحقة المسلمين المعتدلين، لأنهم الإسفنجة الماصة للتطرف وهم الأقدر دون غيرهم على مسح عقول تلك الذئاب وتدجينها، وإعادتها إلى حظيرة البشرية، إذ لا يعقل أن تضع الداعية المسلم ذي العقل الوازن الراجح، الساعي على الأرملة والفقير وإصلاح المجتمع بالتي هي أحسن في سلة واحدة مع القتل المستذئب، وما دام ثمة سجون وقيود وأسوار وتشريعات تلاحق هذا النوع من المسلمين، فثمة بيئة حاضنة لتحويلهم إلى ذئاب مشبعة بروح الانتقام!
أما الشعبة الأخيرة، فخاصة بطريقة معالجة ظاهرة الإرهاب والذئاب نفسها، حيث يتعين على المعالجين أن لا يكتفوا بالمعالجة الأمنية البحتة، بل ثمة حاجة ملحة لإدخال المعالجة الإنسانية للظاهرة، لأننا نتعامل هنا مع بشر وتحولات نفسية معقدة، تحول الإنسان الوديع إلى ذئب قاتل، ولهذا لا بد من أنسنة العلاج قبل أن نستل السيف من غمده، الإرهاب لا يعالج بالإرهاب، لأن الدم يستسقي الدم، وللحديث صلة!
الدستور 2017-08-21