يولدون حين يموتون !!
فقد العالم العربي خلال الاعوام القليلة الماضية رجالا ونساء كانوا من رواد نهضته والمبشرين بحداثته والمدافعين عن كينونته وهويته، وتشاء المصادفة او ما هو أبعد منها ان يكون هؤلاء قد ولدوا في الربع الاول من القرن العشرين او بعده بقليل، وهي الفترة الحرجة في تاريخنا المعاصر، التي شهدت حروب استقلال وحركات تحرر ومشروعا في التمدين والعصرنة بعد سُبات سياسي وكهفي طويل.
لكن التزامن الدراماتيكي الذي فقدنا فيه اثنين من تلك السلالة مؤخرا هما د. رفعت السعيد ومحفوظ عبد الرحمن يُضاعف من الاسى، فالاول مفكر لم يقلب معطفه على البطانة كما يقال وظلّ وفيّا لمواقفه وهو مفكر سياسي وقائد حزبي وروائي ايضا، عرفته عن كثب وكان سبّاقا الى تأبين محمود درويش باحتفال حاشد عندما كنت في القاهرة، وهو ايضا جاري منذ سنوات في جريدة الاهرام، والجوار في الصحافة والثقافة اهم بكثير من الجوار في المسكن!
اما محفوظ عبد الرحمن السيناريست البارع والذي اقترن اسمه بمسلسل درامي هو بوابة الحلواني، فقد كان على امتداد عمره قوميّا حقيقيا وليس قوميا موسميا، وحين اقتربت منه في القاهرة مع اصدقاء آخرين سمعت منه حكايات لا تُنسى منها ذكريات عمرها سبعون عاما، ومنها ما له علاقة بالسياسة لكن بشكل لا يخلو من سخرية، واذكر انه روى لي ذات مساء حكاية بالغة الدلالة عن الزعيم الراحل عبد الناصر، قال ان مدير مكتبه في بداية عهده كرئيس اسمه فاروق، وحين تزوج فاروق وانجب ولدا اخبر عبد الناصر بأنه سماه جمال تيمنا به، وعندئذ لم يستطع عبد الناصر الصمت فابتسم وقال له: انت اذن منافق مثل ابيك، لأن اباه سائق فاروق قبل ثورة يوليو!
وقبل وداع هذين الصديقين باسابيع ودعنا د. سيد ياسين عالم الاجتماع الذي كان اول امين عام لمنتدى الفكر العربي في عمان، وكتب عن الشخصية العربية ما يستحق التأمل واستكمال الرسالة ... انهم ليسوا آخر السلالة، لأن هؤلاء يولدون حين يموتون !!!
الدستور 2017-08-21