عن الهيمنة على الدنيا والدين معاً

تم نشره الثلاثاء 22nd آب / أغسطس 2017 01:10 صباحاً
عن الهيمنة على الدنيا والدين معاً
ياسر الزعاترة

فاجأ الرئيس التونسي (السبسي) شعبه والمسلمين في اليوم الوطني للمرأة، بالدعوة لمساواة المرأة والرجل في الإرث، والسماح للمسلمة بالزواج من غير المسلم.

لسنا في صدد الدخول في متاهة تفنيد هذا الرأي؛ لا من الناحية الدينية ولا المنطقية، فقد كتب فيها الكثير الكثير، بخاصة مسألة الميراث التي تتشعب كثيرا، وتأتي في سياق منظومة اجتماعية شرعية متكاملة (في حالات كثيرة تأخذ المرأة من الميراث أكثر من الرجال).

ليست هذه المرة الأولى التي يتدخل فيها سياسيون في شؤون الدين والفتوى، فقد رأينا من ذلك الكثير، كما في دعوة أحدهم لرفض الطلاق الشفوي، أو فرض خطب مكتوبة موحّدة في المساجد، وسوى ذلك من ممارسات في دول شتى.

المصيبة أن ذلك يحدث في ظل شعارات عن العلمانية، وكأن العلمانية العربية لم تعد تعني فصل الدين عن الدولة، بل تعني هيمنة الدولة على الدنيا والدين في آن؛ ليس عبر السيطرة على المؤسسات الدينية أو توجيهها فحسب، بل في التدخل في شؤون الفتوى أيضا، وفرض الآراء التي يرفضها المجتمع بسطوة القانون.

ما شأن السياسي بميرات المرأة، وهي قضية ثابتة في كتاب الله، أو في الطلاق وشؤونه، وهي قضية دينية أيضا؟ لماذا يتدخل في هذا الشأن، وقد سيطر على القوانين بكل أشكالها، ولم يتبق سوى قوانين الأحوال الشخصية؟!

حتى بالمنطق الديمقراطي أو العلماني الكامل.. هل يجوز تغيير مسألة بهذا المستوى من الرسوخ على هذا النحو؟ ألا يستحق الأمر أن يُطرح في استفتاء؟! مع أننا ضد ذلك من حيث المبدأ، فضلا عن أن أحدا لم يطالب به، لأن المسائل التي تطرح في الاستفتاءات هي التي تتعرض لجدل كبير في المجتمعات.

هل ظهرت في المجتمع التونسي، فضلا عن المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى دعوات ذات قيمة لمساواة الرجل والمرأة في الإرث مثلا، أو تشريع زواج المسلمة من غير المسلم؟! وهل احتج أحد على مسألة الطلاق الشفوي؟!

لم يحدث شيء من ذلك، ولو حدث، وأصبح صوت أولئك واسعا، بالمعنى الحقيقي، وليس بقوة الإعلام الموجّه، فعندئذ يمكن بمنطق العلمانية والديمقراطية أن يبرروا الدعوة إلى استفتاء، أما التعامل مع قضايا محسومة بهذه الخفة، فلا يمكن أن يسكت عنه المجتمع.

لا ينتبه كثيرون إلى أن مثل هذه الدعوات، بل مثل هذا المنطق برمته إنما يعزز مسارات التطرف، ويحارب مسارات الاعتدال، أو يقلل من قيمة منطقها، حيث سيرى كثيرون أن التعويل على اعتدال الدولة أو إصلاحها من الداخل أمر مستحيل، ولا حل إلا بالحديد والنار.

تاريخيا كانت مؤسسة العلماء هي عنوان الحفاظ على الدين من عبث السياسة، وحين انحاز الناس إلى الإمام أحمد بن حنبل في صراعه مع المأمون في قضية خلق القرآن، لم تكن القضية بالنسبة إليهم متعلقة بفهم للمسألة، وإنما وجدوا في الموقف رفضا لهيمنة السياسي على شؤون الدين.

منذ قرون، لم يكن التدين حاضرا في حياة الناس كما هو منذ مطلع الألفية الجديدة، وإذا لم يدرك السياسيون ذلك، وواصلوا الصدام معه، فسيخسرون، ويتسببون بخسائر كبيرة لمجتمعاتهم أيضا.

الدستور    2017-08-22

 

 


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات