الدور الأميركي والمسألة الكردية !
قبل أيام قليلة شاهدت تسجيلا، بالصوت والصورة، تتداوله وسائل التواصل الإجتماعي، هو عبارة عن احتفال أو مهرجان في تل ابيب بحضور وفد كردي عراقي، دعا فيه الإسرائيليون الأكراد الى التمسك باجراء الإستفتاء من اجل الأنفصال واقامة دولة كردية في شمال العراق بدعم من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والعالم.
أكاد أن لا أصدق ما شاهدت وسمعت، وفي ذات الوقت لا اعتقد ان الشريط مفبرك أو مزيف، على الرغم من التغيير التكتيكي الطاريء الذي حدث مؤخرا في موقف الأدارة الأميركية حين طلبت من مسعود البرزاني تأجيل الإستفتاء، وهو الموقف الذي اثار الكثير من التساؤلات وعلامات الإستفهام.
الحقيقة ان الموقف الأميركي الجديد من الإستفتاء ليس من اجل مصلحة العراق، بل من أجل مصلحة واشنطن ومشروعها في سوريا...كيف؟!
كلنا نعرف أن الولايات المتحدة ومعها دول اوروبية داعمة وحامية لكردستان العراق، كما نعرف أن القوات الأميركية والغربية المتحالفة استخدمت الشمال منصة متقدمة في عملية غزو العراق واحتلاله، اضافة الى القناعة بأن انفصال الشمال واقامة دولة كردية هي خطوة اولية على طريق تقسيم بلاد الرافدين، وهو الهدف الأميركي الحقيقي الذي سعت الى تحقيقه القوات الغازية منذ الإحتلال حتى اليوم، لذلك تم تفكيك الدولة وحل الجيش، وتخريب النسيج الإجتماعي، على قاعدة عرقية وطائفية، اضافة الى فرض تطبيق دستور بريمر الذي يكرّس هذا الواقع الجديد.
ولكن هنا يبرز السؤال: اذا كانت واشنطن تريد تقسيم العراق، لماذا طلبت تأجيل الإستفتاء حول الإنفصال ؟!
لا أعتقد أن الحرب التي يشنها الجيش العراقي على تنظيم داعش هو السبب الرئيس، لأنني على يقين أن القوات الأميركية المتواجدة في العراق وسوريا غير جادة في محاربة داعش والقضاء على التنظيمات المسلحة المتطرفة لأن هذه التنظيمات ما زالت في خدمة المشروع الأميركي وتحتاج بعض الوقت لأنجاز مهمتها التخريبية، رغم تدهور أوضاعها وتقهقرها، لذلك يتم، وباستمرار، عرقلة المفاوضات، ووضع المصاعب والمصائد في طريق المصالحة الوطنية في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
هناك حقيقة واحدة باقية تشير الى أن الأدارة الأميركية طلبت تاجيل الأستفتاء في كردستان العراق، لأنها لا تريد فتح جبهة جديدة في العراق يكون الأكراد محورها، ففتح مثل هذه الجبهة سيعيد خلط الأوراق من جديد، وبالتالي يضر بالخطة الأميركية الساعية الى رسم حدود اقليم كردي في شمال سوريا، كخطوة اولية لتقسيم البلاد، أو على الأقل، فرض واقع جديد في الشمال يحدث تغييرا في وحدة أرض وشعب سوريا.
لذلك تريد واشنطن بعض الهدوء في شمال العراق، خصوصا بعد التقارب التركي الإيراني وتقاهم الطرفين حول المسألة الكردية في شمال سوريا، وهو التفاهم الذي دفع بالرئيس التركي أردوغان الى التهديد باستخدام القوة لمنع قيام كيان كردي على حدوده مع سوريا، مع ضرورة الإشارة الى أن هذه المسألة كانت سبب الإختلاف مع واشنطن، كما هي سبب التغيير المستمر في التحالفات التركية على الصعيدين الأقليمي والدولي.
واللافت أن ادارة الرئيس ترمب تنزلق تدريجيا وبسرعة نحو التورط عسكريا في الصراع الدائر في المنطقة، في حين نرى تراجعها في الدور السياسي، الذي لم يتجاوز الدور السلبي الضعيف والمتهالك وغير المؤثر في النتائج، لأن هذه الإدارة تريد التحكم بمسار مستقبل المنطقة من خلال لحظة الحاضر، وبالتالي الإثبات بأن الرئيس ترمب المتشدد يختلف عن اسلافه، فهو صارم في تنفيذ وعوده، دون ان يدرك أن القائد الجيد هو الذي يجمع بين الصلابة والمرونة، وهنا يحضرني قول ديوجين الأغريقي: «هناك اختلاف دقيق بين الحكيم والأحمق «.
الراي 2017-08-24