عن «الصهر» العزيز وعروضه لحل الصراع
رغم أننا قد لا نضيف الكثير إلى ما نقوله دائما حيال التسوية في المفهوم الأمريكي، بخاصة في ظل ترامب، فإن جولة صهر ترامب (جاريد كوشنر) في المنطقة لا بد أن تفرض نفسها على المراقب.
يأتي كوشنر إلى المنطقة تاركا والد زوجته إيفانكا (صارت عمليا من رعايا الكيان الصهيوني باعتبارها يهودية) يتخبط في أزماته السياسية على كل صعيد، وتلاحقه الدولة العميقة، ويضطر للخضوع لها مرارا على أمل أن تمنحه فرصة البقاء حتى نهاية ولايته (آخر الفصول تمديد الوجود الأمريكي في أفغانستان)، ويبدو أن ترامب يبحث عن رضا اللوبي الصهيوني الذي يعلم تماما أنه لو انحاز ضده في المعركة الراهنة، فإن نهايته تغدو حتمية.
يأتي كوشنر إلى المنطقة فقط لخدمة الكيان الصهيوني، فهو أهم عنده من ترامب، وربما من إيفانكا أيضا، وقد يقدم خدمة ما لصديقه الأعز نتنياهو الذي تلاحقه تهم الفساد.
خلال الشهور الماضية اتّسع نطاق أحلام القادة الصهاينة فيما يتعلق باستثمار الحريق الراهن في المنطقة، وتحدثوا مرارا عن “الحل الإقليمي”، بل لم يستبعد بعضهم “صفقة القرن”، أي فرض استسلام شامل على الفلسطينيين والعرب، والفرق أن الحل الإقليمي يبقى مؤقتا، ولو من الناحية النظرية (يفترضون أنه سيتحول إلى دائم)، بينما صفقة القرن دائمة وتفرض استسلاما شاملا.
لا صفقة القرن كانت ممكنة؛ وفي تسريبه مؤخرا قال كوشنر ذلك، ولا الحل الإقليمي تحقق، إذ أن من وعدهم ترامب بمواجهة إيران، لم يروا منه شيئا، فيما يخشى الجميع من التورط في مسارات تطبيع مجاني تدخلهم في مأزق مع الشارع الشعبي.
الآن، يعود ترامب لإحياء الفكرة (فكرة الحل الإقليمي)، ويقال إنه طرح على مضيفيه في العواصم المعنية فكرة مؤتمر دولي للسلام، لكنه يعلم، وهم يعلمون أيضا، أن سلاما لن يتحقق عبر حل شامل، وما هو مطلوب بالنسبة لترامب هو إطلاق عملية تفاوضية بلا سقف زمني، وبلا شروط مسبقة، تتواكب مع عمليات تطبيع واسعة النطاق، فيما تمنح السلطة مزيدا من حزم المساعدات (قد تضاف إلى ذلك ترتيبات تتعلق بمناطق السلطة)، في استعادة لفكرة السلام الاقتصادي التي صنعها نتنياهو، في تنويع لفظي على فكرة الحل الانتقالي بعيد المدى التي صنعها شارون، أي تطبيع العقل الفلسطيني والعربي على كيان في حدود الجدار الأمني تحت ولاية الاحتلال، دون القدس، ودون سيادة، ثم يتحوّل المؤقت بعد ذلك إلى دائم.
في الأثناء تتصاعد عمليات التطبيع والعلاقات الاقتصادية بين الدول العربية وبين الكيان الصهيوني، وترفرف الأعلام الزرقاء في قلب العواصم العربية، وبذلك يحقق الصهاينة بهذه اللعبة ما عجزوا عن تحقيقه بعد أوسلو، وبعد حرب العراق.
إنه الحلم بطبيعة الحال، ويبدو أن ترامب يعوّل على ضغوط، وإغراءات تفضي إلى تمرير هذا المسار. وفيما يبدو أن هناك من يمكن أن يتقبلوه، فإن آخرين لن يفعلوا، ما يعني أن الأمر لن يمرّ على الأرجح، وإذا ما مرّ في أبجدياته الأولى، فإنه لن يلبث أن يسقط أمام إرادة الجماهير الفلسطينية والعربية، والتي لم تغادر رغم كل العبث مربع التعامل مع قضية فلسطينة بوصفها القضية المركزية.
الدستور 2017-08-26