رعب الأسعار، والضرائب..!
أكثر من "داعش" وأحوال المنطقة المرعبة، يحتل حديث ارتفاعات أسعار السلع والخدمات المقدمة، دون أي إشارة إلى ضوء في نهاية النفق. ولا يكاد حوار يخلو من الإعراب عن القلق من قتامة الأحوال المعيشية، والخوف مما تذهب إليه الأمور. وإذا صحت الأخبار، فإن الأردنيين موعودون بارتفاعات جديدة في الأسعار في العام المقبل لتغطية عجز الميزانية. وقد يترافق ذلك مع شمول ضريبة الدخل شريحة إضافية من أصحاب دخول أدنى. وفي الحقيقة، ليس هناك أحد معفىً حقاً من الضرائب، وإنما تدفع الشرائح المعفاة من ضريبة الدخل كل أنواع الضرائب والمدفوعات الأخرى سلفاً، من ضريبة المبيعات، إلى المسقفات، إلى التلفزيون، وفوائد القروض، والكثير من الضرائب الأخرى.
في الأساس، يشعر المواطنون بوطأة ارتفاع الأسعار دون انتظار العام القادم. ويلاحظ الذين يتسوقون ويديرون ميزانيات الأسر الارتفاعات عند كل منحنى، من ارتفاع سعر البطاطا إلى القهوة والحلويات. وفي التعليم والصحة المخصخصَين، حدِّث ولا حرج؛ أصبحت سنة في الحضانة تكلف أهل الطفل أكثر مما كلَّفنا أهلنا في أربع سنوات في الجامعة. وإذا اشتكى أحدٌ من عارض صحيّ جدّي ولم يكن مؤمَّناً، فإما أن يهمل مرضه فيتفاقم، أو يعاني آلام تدبر الكلفة.
كل هذا على خلفية حتّ مدخرات الأردنيين واستحالة ادخار قرش أبيض لليوم الأسود، مع جمود الدخول والرواتب في مواجهة هجمات الأسعار. ولم يعد راتب الألف دينار الذي كان ذات مرة دخلاً محترماً، يصلح لشيء. فسرعان ما تأكل معظمه الاقتطاعات من رأس الكوم، مثل قسط الضمان الاجتماعي، وقسط التأمين الصحي، وإيجار البيت أو قسط ثمن البيت، وقسط السيارة التي يشتريها المواطن بالدَّين متذرعاً بسوء خدمات النقل، وفواتير الماء والكهرباء وبقية الأشياء. ويجب أن يكفي الباقي للأكل والشرب والملابس والالتزامات الاجتماعية والمواصلات وعشرات المتطلبات –دون الحديث عن الحرمان من أساسيات أصبحت لدينا ترفاً وكماليات.
يودّ المواطن أن يتفهم تبريرات هذا الاعتماد الكثيف على جيبه لنجدة الاقتصاد. لكنّ الأزمة لا تبدو عابرة ومقدمة لانفراج واعد. والانطباع السائد هو أن هذه "الحلول" الاقتصادية بهذه الطريقة لا تعدو كونها إدارة للأزمة يوماً بيوم، في ظل غياب خطة استراتيجية يمكن عرضها على المواطن، بتوقعات إيجابية قابلة للتحقيق. ومع كل الحديث المتكرر عن تحسين التعليم، وتوليد الوظائف، وحل مشكلات النقل، والتطوير السياحي، وجلب الاستثمارات، فإن أياً من هذه القطاعات لا يبدو متطوراً أو واعداً حقاً بالتطور. ومهما كان الحديث النظري، فإن النتائج الوحيدة الواقعية التي يفهمها المواطن، هي انعكاس الأحوال على نوعية معيشته واستقراره وتهدئة مخاوفه.
مكمن الخطورة الذي لا يُعامل بما يكفي من الجدّية في هذه المسألة، هو صلة الأحوال المعيشية الوثيقة بكل شيء سلبي. إنها تتصل بصعود التوترات الاجتماعية، والعنف والجريمة، والتطرف والإرهاب. وإذا كان هناك تفكير استراتيجي للنجاة من هذه المظاهر التي دمرت الكثير من أنحاء المنطقة، فإن الحل لا يكمن أن يكون في زيادة العبء الاقتصادي على المواطن وإبقاء الآفاق قاتمة بلا وعد بالضوء. إنه يكمن –كما يقترح كل المراقبين- بزراعة غرسة الأمل التي يراها الناس وهي تورق.
ندرة الإمكانيات لا تعني انعدام الإمكانيات. والفكرة دائماً هي الابتكار والجدية في استثمار الإمكانيات إلى أقصى حد ممكن. ولا يخلو المشهد العالمي من قصص نجاح تمكَّن فيها أفراد أو أمم من العثور على الوصفة لصناعة وضع معقول. وفي كثير من الأحيان، يستطيع حتى الناس العاديون اقتراح أفكار ممكنة التحقق، والتي من شأنها إحداث تغيير إيجابي. وهم يتوقعون من المختصين والمسؤولين الذين يمتلكون القرار ويتحكمون بالإمكانيات لعب هذا الدور كما ينبغي.
عندما يرى الناس تعثر المشاريع، وتراجع الخدمات، وإغلاق المحلات وهروب الاستثمارات، فإنهم لن يثقوا بوعود المسؤول. فأساس الثقة هو الوفاء بالوعود ورؤية النتائج على الأرض. والوعد الذي يحتاجه المواطنون في أوقات الضيق، هو أن يكون هذا الضيق مؤقتاً على طريقة: تحملونا اليوم وسنكافئكم غداً وكما يلي. ويجب أن يكون الوعد صادقاً وواقعياً وعلى أساس مشروع يفهمه الناس ويعرفون بدقة معقولة كيف سينعكس على أحوالهم. وبغير ذلك، فإن الناس سيشعرون بأنهم يدفعون، فقط لشراء مزيد من القلق. والقلق حالة غير صحية مطلقاً.
الغد 2017-08-27