قبيلة إما... أو !!
استعير هذا العنوان الذي قد يبدو غريبا وغامضا من الفيلسوف كيركيغارد الذي حمل احد كتبه عنوان إما ... أو، والمقصود بذلك هو تحول العقل البشري الى أسير او رهينة الثنائيات، بحيث لا يرى من حوله سوى السواد المطلق او البياض المحض، ويصبح قوس قزح بكل اطيافه مجرد لونين فقط ليس فيهما ظلال.
والعقل الغربي الذي كدح قرونا لتجاوز الثنائيات والتوصل الى الجدلية تعرض لانتكاسة كبرى حين عاد اليمين المتطرف في امريكا وفي عهد بوش الابن الى الثنائيات ، فمن ليس معنا هو ضدنا بالضرورة والعالم منقسم الى اخيار واشرار فقط، وهذا التقسيم بحد ذاته انقلاب على الحضارة بكل ما انجزت، وهذا هو العالم ونحن منه يدفع ثمنا باهظا لهذه الحماقات التي افرزتها الرأسمالية في ذروة توحشها، فالثنائيات الان تتحكم بنا جميعا، ونحن اما اصدقاء او اعداء واما مناضلون او خونة، وإما صادقون او كاذبون، وهذا التصنيف القاصر للبشر يتنكر لكل ما انجزه علم النفس لأن البشر ليسوا ملائكة او شياطين فقط، فهم يصيبون ويخطئون ، لهذا كانت ثقافة الاعتذار من أرقى ما توصل اليه الانسان.
وفي عالمنا العربي كما ترصده الميديا امثلة يومية متكررة من الثنائيات، وما من بُعد ثالث لأية قضية او موقف ، وقد جربنا ذلك في حروب الخليج الثلاث، حين رأى الثنائيون ان من يعارض الحرب على العراق هو من اتباع نظامه، وعلى امتداد تاريخنا الحديث حرمنا فقه إما .. او، من مقاومة الاحتلال والاستبداد معا، وأسوأ ما افرزه هذا الفقه مقولات من طراز عدو عدوي هو حليفي ، فقد يكون للانسان العديد من الاعداء الذين لن يصبحوا حلفاءه حتى لو فتكوا ببعضهم !!!
الدستور 2017-08-28