عن حماس.. «الجديدة»!
يوالي يحيى السنوار، ومنذ أن خَلَفَ إسماعيل هنية في قيادة حماس/قطاع غزّة، طرَحَ المزيد من المفاجآت والاستدارات السياسية اللافتة، على نحو يطوي إلى حد كبير «الخطاب» الذي كانت حماس عليه في «عهد» خالد مشعل، ذلك الخطاب الإعلامي «التعبوي التنظيري» المُتكيء على بلاغة لغوية وحماسة شخصية تذهب بعيداً وعميقاً في استنساخ، تلك «الحال» التي كوّنها ياسر عرفات طوال أربعة عقود من بروزه في المقعد الأول لمنظمة التحرير الفلسطينيّة عام 1968 حتى رحيله المُلتبِس قبل نحو من ثلاثة عشر عاماً، ولكن مع فارق ان مشعل أكثر «التزاماً» باللغة المحمولة على نصّ ديني إنتقائي يبرع الإسلامويون في استحضاره كلما اقتضت الحاجة السياسية وبخاصة الايديولوجية، إلى «الإبحار» فيه وضخّ المزيد من الدُخان حوله، كي يُبرّروا – دون نجاح- تلك الألاعيب السياسية والتحالفات المُستجدّة التي يهرولون نحوها، كلما سنحت لهم الفرصة لنقل البندقية السياسية أو العسكرية (لا فرق) من كتف إلى آخَر.
صحيح أن السنوار، ليس الرجل «الأول» في الحركة، بعد أن استقر اسماعيل هنية في رئاسة المكتب السياسي، وبقي يقود الحركة من غزة بعد أن سُدّت أبواب العواصم الإقليمية أمامه، ولم يعد ثمّة خيار له سوى إدارتها من داخل القطاع المُحاصَر، إلاّ أنه (السنوار) أظهر حضوراً لافتاً في مهمته الجديدة وبخاصة ان الرجل الذي امضى اكثر من عقدين في سجون العدو الصهيوني، يتوفر على قراءة «نِضالية» واقِعية ومغايِرة لتلك التي واصل خالد مشعل (وايضاً لأكثر من عقدين)... الترويج لها والتنظير عند كل منعطف اجتازته الحركة وبخاصة في علاقاتها الإقليمية، التي لا تبذل حماس اي جهد ولا ترى اي حرَج في الانتقال من النقيض الى النقيض في تموضعاتها وتحالفاتها، وبخاصة بعد ان قرأت وراهنت خطأ على ما سيجلبه لها «الربيع العربي» من مكاسب، ووصلت ذروة «ضحالة» قراءاتها والأوهام التي راهنت عليها، عندما ظنّت ان «الربيع العربي» سيكون إسلامويا خالِصاً، وان وصول الجماعة الأم الى قصر «الإتحادية» في القاهرة وإمساك مكتب الارشاد بالمحروسة و»النجاحات» المؤقتة للجماعات الاسلاموية المسلحة في سوريا، ستمنح حماس الفرصة في الهيمنة على القرار الفلسطيني وإعتلاء «منابر» منظمة التحرير الفلسطينية والتحكّم بمسارات «الحل» الذي بدا للحظة ان مكتب الارشاد في مصر والتنظيم الدولي للاخوان المسلمين وخصوصاً اولئك الجالسون في «قصور» الحُكم في تونس وتركيا، هم الذين سيكتبون الفصل «الأخير» من القضية الفلسطينية، بعد أن انكشفت «أسرار» رهانات إدارة باراك حسين أوباما على النسخة الإسلاموية التي حملها رجب طيب أردوغان الى البيت الابيض لِإعتمادها.
مياه ودماء غزيرة تدفقت في نهر النيل، كما في مضيق البسفور وعلى السواحل التونسية وخصوصاً في انهار بردى والفرات ودجلة، فسقطت الرهانات وتبدّدت الأوهام ولم يعد أمام حماس من خيارات سوى الاضمحلال والضمور (أو) إعادة تصويب «المسار» الذي كاد يودي بها الى التهلكة والخطوة الأولى – الاجبارية والمنطقية – هي التخلص من خالد مشعل، خطابه ومرحلته واستراتيجيته غير المتماسكة بل غير المعنية بمصالح الشعب الفلسطيني الأساسية، بقدر ما هي معنية بأيديولوجية جماعات الاخوان المسلمين وهدفها الرئيس بـ»أستذةِ» العالم وِفق المبادئ التي حدّدها الشيخ حسن البنا وخصوصاً في السير على «معالم الطريق» التي رسمها سيد قطب، والتي رأينا ترجمتها في ارتكابات «الجماعة الناجية» التي حدّدت «داريّ» الكفر والايمان، وحسمت ان ما من سبيل لاتقاء شرّ الكفرة سوى بجزّ أعناقهم وسبيّ نسائِهم وتدمير ممتلكاتهم وإبادة كل أسباب الحياة في مجتمعاتهم.
يحيى السنوار، يبدو أنه اراد تصويب الاتجاه و»استنقاذ» ما يمكن انقاذه من تحالفات، بعد ان وصلت الحركة – أو كادت – الى طريق مسدود وضاقت هوامش المناورة أمامها، وبخاصة إثر تنكّر الذين راهنت عليهم عندما أدارت ظهرها لبعض العواصم التي احتضنتها (وهي قليلة ونادرة في أيامنا هذه) ودفعت ثمن ذلك الاحتضان باهظاً، لكن خالد مشعل بما كان يتمتع به من دعم وحظوة من عواصم عديدة أرادت سحب حماس الى مربعها، خدمة لطموحاتها الإقليمية (الأكبر من حجمها وقدراتها.. حتى لا ينسى أحد)، لم تقرأ جيداً في التاريخ ولم تُعِر اهتماماً كافياً بقدسية القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني، التي يجب ان لا تخضع للمساومة أو الرهانات أو التجاذبات، وخصوصاً الطموحات الشخصية ووهم الزعامة والقيادة الذي استبد بـ»أبي الوليد».. فوجدت نفسها بعد ان «انجلت» الصورة امام.. ساعة الحقيقة، وكان لا بد للرجل الذي قيل الكثير في مديح «كاريزميته» (إِقرأ قدراته الخطابيّة ومراوغاته) أن يترجّل وأن يترك المِقّوَد لمن هم اقدر واكثر واقعية والتصاقاً بهموم الشعب الفلسطيني، والذين «تخرّجوا» في السجون الإسرائيلية وواجهوا القمع والإذلال والتنكيل ودفعوا أثمان مقاومتهم الميدانية دماً ودموعاً وجوعاً وحصاراً.
كان إسماعيل هنية هو البديل، وها هو السنوار يأخذ حماس إلى مربعات مختلفة، صحيح ان فيها شيء من المناورة ومحاولات المناكفة لمحمود عباس وسلطته (التفاهم غير «الماشي» مع دحلان) إلاّ أنه صحيح أيضاً أن رسالته لدمشق بتحوله نحوها وقراءته الجديدة لما سُميّ بالثورة السورية عندما تحدّث «عن وضوح حجم تعاظم التدخل الأجنبي، وحَرْف المطالِب الشعبية عن مسارها الحقيقي، وقرب إنتهاء الحرب السورية» واعترافه بفضل الجمهورية السورية على «عملنا المقاوِم».. يُنبئ باستدارة نوعية هذه المرة، وبخاصة أن خالد مشعل (وفريقه) لم يعد يظهر في الصورة ولا يبدو أنه سيظهروخصوصاً بعد أن «دشّن (وثيقة) حماس الجديدة التي يبدو ان السنوار لا يحفل بها...كثيراً.
الراي 2017-08-30