هل يجوز تقاسم أموال التبرعات؟
أضحية بمائة دينار، أو بتسعة وتسعين دينارا، ثمنها الفعلي قد يقارب نصف المدفوع، أي خمسين دينار، تذهب: خدمات، هل هذا جائز شرعا وعرفا وقنونا...؟
السؤال الأكبر هو ما يلي: حملة خيرية لجمع تبرعات لعمل وطني وخيري، كانت حصيلته 140 ألف دينار، مثلا، وسيلة الإعلام التي قامت بالحملة طلبت «حصة» من الغنيمة بلغت 15 ألف دينار (شغل يوم فقط!) وثمة ألفا دينار ضريبة، تصوروا!!
هل يعرف المتبرع الذي تحركه عاطفته الدينية والوطنية وحب الخير أن ثمة من «يتقاسم» تبرعه، الذي قد يكون اقتطعه من مصروف عائلته، أو حتى من مخصصات أطفاله؟ هل من المنطق أن تطالب الضريبة بحصة أيضا؟ هل ثمة قانون في العالم يجبي نسبة من زكاة المال، أو الصدقة، أو التبرع؟
حسب علمي فإن المبلغ الذي تتبرع به مؤسسة أو فرد، يقتطع من الضريبة المفروضة، فكيف تستوي المعادلة أو القسمة الضيزى، فنعفي المتبرع من الضريبة، ثم نطالب المتبرع له بحصة؟ هل ثمة ثغرة قانونية لحاجة لعلاج؟ لا أدري!
أشعر من الأرقام أعلاه أن ثمة خللا كبيرا في الموضوع، ومبالغة غير مبررة بتقسيم «الغنائم» بل إن يدي باتت ترتعش كل جمعة وأنا أخرج مبلغا ما من المال، للتبرع لحملات جمع التبرعات لبناء مساجد، أو لصناديق الزكاة والصدقات والجمعيات الخيرية، لأن ما يتجمع لدي من معلومات تفيد بأن ما أدفعه ويدفعه غيري لا يصل «كله» لصاحب الحاجة، أو الهدف الذي من أجله نظمت حملة التبرع، وحسب علمي فإن المؤسسات الخيرية المحترمة كتكية أم علي مثلا، تخبر المتبرع بأن كامل ما يتبرع به مرصود لأصحاب الحاجة، أما النفقات الإدارية والرواتب وما شابه، فهي خارج الحسبة، ومرصود لها ميزانية لا يدخلها دينار من أموال المتبرعين، وهذا هو الصائب، وهذا ما يجب أن يسود، أما أن يتقاسم «أهل الخير» الغنيمة، ويوزعون العائد على من يدعون أنهم من «العاملين عليها!» فهو أمر غير مقبول وترفضه الفطرة السليمة، وإن كان لا بد، فيجب أن يعرف المتبرع بثمن أضحية مثلا، أن نصف ما سيدفعه هو لتمويل الجانب الإداري، وأن ثمن أضحيته فقط خمسين دينارا، وساعتها هو مخير في أن يدفع أو أن يذهب لشراء أضحيته بنفسه، ويذبحها ويوزعها على أصحاب الحقوق!
لست ممن يقطعون نصيب الفقراء، ولا ممن يحاربون أعمال الخير، خاصة وأن هذا القطاع تعرض لهجمة شرسة بحجة محاربة الإرهاب، وتم حرمان آلاف وربما ملايين البشر من هذا الباب الخيري، ولكن مع هذا من حق المتبرع أو صاحب المعروف أن يطمئن أن ماله المتبرع به يذهب في طريقه الصحيح، ولا يتحول إلى غنيمة يتقاسمها القوم، ولا يصل لصاحب الحاجة إلا الجزء اليسير من المال!
الدستور 2017-08-30