"فرانكو المشوّه" وتورات بورات جديدة!
"ما الفرق بين ثائر يحمل سلاحاً أو جندي يحمل سلاحاً إن وجّهه الاثنان نحوك؟!"، هذا السؤال الاستنكاري، يأتي على لسان مواطن حلبي (في تقرير مهم وجميل للصحافية أيريكا سولومون، في الفاينانشال تايمز، ترجمته يسرا مرعي لموقع معهد العالم للدراسات) يلخّص تقريباً جزءاً كبيراً مما آلت إليه الأوضاع في سورية اليوم.
في تقريرها الذي حمل عنوان "قصة ثلاث مدن"، تقترب سولومون من مشاعر الناس المرتبكة والمضطربة في المدن الثلاث (دمشق، حمص، حلب)، ومن المعاناة المتبادلة من قبل الجميع، وتختبر مدى القدرة على تجاوز ما حدث، ونسيانه، والتسامح، وتجاوز ما زرعته الحرب من دمار ومآسٍ ودماء، والأخطر من هذا وذاك ذاكرة نابضة بالحزن والكراهية، فهل يمكن أن يتم تجاوزها؟
التقرير يطرح، ضمنياً، هذه التساؤلات الجديّة، ويضعنا أمام "جدل مواطني الشارع"، ويستبطن تحذيراً من أنّ بقاء الظلم بحق العائلات والناس، الذين اعتُبروا مهزومين، من طرف النظام والميليشيات الطائفية معه، في أنّ هذه الحال لن تولّد إلاّ جرثومة لإعادة الكَرّة مستقبلاً، وإبقاء جذوة الانتقام مشتعلة في النفوس.
لم نقل بأنّ المعركة انتهت وأنّ الأسد انتصر، فالمسألة أكثر تعقيداً من ذلك، لكن موازين القوى تميل، من دون أدنى شكّ لصالح النظام، لكن السؤال عمّا تبقى من الثورة السورية وقيمها وثقافتها، والأسباب التي ولّدت الاحتجاج من الظلم والتمرّد على دولة بوليسية؟ من ينظر إلى الواقع الراهن يعود إلى السؤال الاستنكاري، الذي طرحه المواطن الحلبي "ما الفرق؟!" بين مقاتل ينتمي لحزب الله والحرس الثوري وطائفي وجنود النظام السوري وبين فصائل متطرفة مسلّحة؟ كلا الطرفين (الطائفيون والمتطرفون) يريدون تغيير حياة الناس، وفرض أجندتهم الطائفية أو المتشددة عليهم.
في استطلاع نشر مؤخراً، تداوله ناشطون سوريون، مع قرابة 700 شخص من مدينة إدلب جرى بحث موضوع التسويات التي تتم في سورية، وتؤدي إلى ترحيل المسلّحين وعائلاتهم إلى محافظة إدلب، والسؤال عن مدى إيمان الناس بأفكار جبهة النصرة، ذات الطابع السلفي الجهادي، ومدى إيمانهم بانفصال النصرة عن القاعدة، فجاءت أغلبية الإجابات بما يعني، ضمنياً، شعوراً عارماً ضد النصرة ونمط الحياة الذي تحاول فرضه، وضد الترحيل الذي يتم للسكان من مناطقهم إلى محافظة إدلب، ويعكس هواجس أهالي المدينة من أن تتحول أو تصبح لاحقاً أشبه بتورا بورا، في أفغانستان، حيث يجمع فيها أفراد القاعدة، ويحاصرون ثم يتم قتلهم وإبادتهم، ويدفع المواطنون الثمن أيضاً!
في الحقيقة، الحسبة لا تختلف كثيراً بين أن تصبح إدلب وقبلها الرقة، وقبلهما الموصل ودير الزور معهم، بمثابة (تورات بورات)، أو إمارات جهادية مغلقة، تصادر حرية الناس في الاختيار والحق في الحياة، وتصطدم مع أسباب الثورة السورية السلمية نفسها، في البدايات، أو تتحول تلك المدن إلى ما يشبه قم والنجف، وتخضع لعملية إعادة هندسة طائفية، تحت أي عنوان كان، مثل "حلم حمص" أو غيرها!
القصة لم تنته، لأنّ الأجندات الدولية والإقليمية هي التي ترسم مستقبل سورية، وكما قارب الصديق سلام كواكبي، في مقالته ما حدث في سورية مع ما حدث في إسبانيا عندما تخلى العالم كله عن الثوار الإسبان ومكّن لفرانكو، الذي أعاد حكم إسبانيا بالسلطة الدكتاتورية، ثم أعادوا تأهيله، لكن فرانكو سورية ليس حقيقياً، بل هو طائفي ومحكوم اليوم بالنفوذ الإيراني!
هنالك بلا شك أوجه للمشاكلة بين التجربتين، والاختلاف أيضاً، لكن ما هو واضح في كلا الحالتين أنّ العالم خذل السوريين وباعهم، بعد أن تنصّل، بلا قطرة حياء، من قيمه الزائفة!
الغد 2017-09-05