"فرانكو المشوّه" وتورات بورات جديدة!

تم نشره الثلاثاء 05 أيلول / سبتمبر 2017 01:39 صباحاً
"فرانكو المشوّه" وتورات بورات جديدة!
محمد أبو رمان

"ما الفرق بين ثائر يحمل سلاحاً أو جندي يحمل سلاحاً إن وجّهه الاثنان نحوك؟!"، هذا السؤال الاستنكاري، يأتي على لسان مواطن حلبي (في تقرير مهم وجميل للصحافية أيريكا سولومون، في الفاينانشال تايمز، ترجمته يسرا مرعي لموقع معهد العالم للدراسات) يلخّص تقريباً جزءاً كبيراً مما آلت إليه الأوضاع في سورية اليوم.

في تقريرها الذي حمل عنوان "قصة ثلاث مدن"، تقترب سولومون من مشاعر الناس المرتبكة والمضطربة في المدن الثلاث (دمشق، حمص، حلب)، ومن المعاناة المتبادلة من قبل الجميع، وتختبر مدى القدرة على تجاوز ما حدث، ونسيانه، والتسامح، وتجاوز ما زرعته الحرب من دمار ومآسٍ ودماء، والأخطر من هذا وذاك ذاكرة نابضة بالحزن والكراهية، فهل يمكن أن يتم تجاوزها؟

 التقرير يطرح، ضمنياً، هذه التساؤلات الجديّة، ويضعنا أمام "جدل مواطني الشارع"، ويستبطن تحذيراً من أنّ بقاء الظلم بحق العائلات والناس، الذين اعتُبروا مهزومين، من طرف النظام والميليشيات الطائفية معه، في أنّ هذه الحال لن تولّد إلاّ جرثومة لإعادة الكَرّة مستقبلاً، وإبقاء جذوة الانتقام مشتعلة في النفوس.

لم نقل بأنّ المعركة انتهت وأنّ الأسد انتصر، فالمسألة أكثر تعقيداً من ذلك، لكن موازين القوى تميل، من دون أدنى شكّ لصالح النظام، لكن السؤال عمّا تبقى من الثورة السورية وقيمها وثقافتها، والأسباب التي ولّدت الاحتجاج من الظلم والتمرّد على دولة بوليسية؟ من ينظر إلى الواقع الراهن يعود إلى السؤال الاستنكاري، الذي طرحه المواطن الحلبي "ما الفرق؟!" بين مقاتل ينتمي لحزب الله والحرس الثوري وطائفي وجنود النظام السوري وبين فصائل متطرفة مسلّحة؟ كلا الطرفين (الطائفيون والمتطرفون) يريدون تغيير حياة الناس، وفرض أجندتهم الطائفية أو المتشددة عليهم. 

في استطلاع نشر مؤخراً، تداوله ناشطون سوريون، مع قرابة 700 شخص من مدينة إدلب جرى بحث موضوع التسويات التي تتم في سورية، وتؤدي إلى ترحيل المسلّحين وعائلاتهم إلى محافظة إدلب، والسؤال عن مدى إيمان الناس بأفكار جبهة النصرة، ذات الطابع السلفي الجهادي، ومدى إيمانهم بانفصال النصرة عن القاعدة، فجاءت أغلبية الإجابات بما يعني، ضمنياً، شعوراً عارماً ضد النصرة ونمط الحياة الذي تحاول فرضه، وضد الترحيل الذي يتم للسكان من مناطقهم إلى محافظة إدلب، ويعكس هواجس أهالي المدينة من أن تتحول أو تصبح لاحقاً أشبه بتورا بورا، في أفغانستان، حيث يجمع فيها أفراد القاعدة، ويحاصرون ثم يتم قتلهم وإبادتهم، ويدفع المواطنون الثمن أيضاً!

في الحقيقة، الحسبة لا تختلف كثيراً بين أن تصبح إدلب وقبلها الرقة، وقبلهما الموصل ودير الزور معهم، بمثابة (تورات بورات)، أو إمارات جهادية مغلقة، تصادر حرية الناس في الاختيار والحق في الحياة، وتصطدم مع أسباب الثورة السورية السلمية نفسها، في البدايات، أو تتحول تلك المدن إلى ما يشبه قم والنجف، وتخضع لعملية إعادة هندسة طائفية، تحت أي عنوان كان، مثل "حلم حمص" أو غيرها!

القصة لم تنته، لأنّ الأجندات الدولية والإقليمية هي التي ترسم مستقبل سورية، وكما قارب الصديق سلام كواكبي، في مقالته ما حدث في سورية مع ما حدث في إسبانيا عندما تخلى العالم كله عن الثوار الإسبان ومكّن لفرانكو، الذي أعاد حكم إسبانيا بالسلطة الدكتاتورية، ثم أعادوا تأهيله، لكن فرانكو سورية ليس حقيقياً، بل هو طائفي ومحكوم اليوم بالنفوذ الإيراني! 

هنالك بلا شك أوجه للمشاكلة بين التجربتين، والاختلاف أيضاً، لكن ما هو واضح في كلا الحالتين أنّ العالم خذل السوريين وباعهم، بعد أن تنصّل، بلا قطرة حياء، من قيمه الزائفة!

الغد    2017-09-05

 

 


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات