عن مأساة «الروهينجا» والمواقف الدولية
قبل أيام كتب مراسل صحيفة “الأوبزيرفر” البريطانية من الحدود بين بورما أو “ميانيمار”، وبين بنغلاديش، ونقل حديث اللاجئين المسلمين من “الروهينجا” عما يجري لقراهم، وعن القتل العشوائي الذي يتعرض له المدنيون على يد أجهزة الأمن والقوميين البوذيين.
ويشير التقرير إلى أنه منذ 25 آب؛ هرب نحو 18500 شخص من الروهينجيا من موطنهم في ولاية راخين (أراكان) في بورما إلى بنغلاديش، لكن إحصائيات الأمم المتحدة تقول إن الرقم الحقيقي أقرب الى الـ 28 ألفا، في حين يقول العاملون في الإغاثة أن 70 ألف شخص، أي نسبة 10 في المئة من العدد الإجمالي للروهينجيا عبروا إلى بنغلاديش في أقل من 24 ساعة.
وينقل القرير عن مصادر في الأمم المتحدة أن نحو 20 ألف شخص آخرين من “الروهينجيا” عالقون في أرض خالية بين بورما وبنغلاديش، بعدما منعهم حرس الحدود من دخول بنغلاديش، وهم يعيشون على مساعدات سكان القرى القريبة.
وينقل مراسل “الأوبزيرفر” عن تقرير لمنظمة “تعزيز الحقوق” التي تعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في “أراكان”، القول: إن الناجين يتحدثون عن قطع رؤوس الروهينجيا على يد الجيش والقوميين البوذيين.
ليست هذه السطور، شرحا لفصول المأساة التي يتعرض لها مسلمو ميانيمار، فما ذكرنا هو آخر فصل لا أكثر، بينما هي مستمرة منذ سنوات أمام سمع العالم وبصره، من دون أدنى حراك عملي، سوى بيانات الإدانة الخجولة التي تصاعدت في الأيام الأخيرة، في حين بدأنا نسمع بعض الأصوات العربية والإسلامية ترتفع على هذا الصعيد، وصولا إلى دعوة تركية لاجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي لمناقشة المأساة.
لهذه القضية الإنسانية وجهان؛ يتعلق الأول بحكاية الإرهاب وهويته، وازدواجية التعاطي الدولي معها، فيما يتعلق الثاني بحالة البؤس التي يعيشها العالم الإسلامي في ظل التشتت الذي يعانيه المسلمون على الصعيد الرسمي، والذي لا يسمح بدوره بأي فعل لنصرة هؤلاء البؤساء الذين تدمي مأساتهم القلوب.
من يصدق أن رجال الدين البوذيين الذي يُفترض أن الإنسانية جزء من منطق دينهم يمكن أن يتورطوا في هكذا جرائم يندى لها جبين الإنسانية، ثم لماذا لا يتحدث أحد عن “الإرهاب البوذي”، كما يتحدثون عن “الإرهاب الإسلامي”، ولماذا ينسب العنف إلى الدين، فقط في الحالة الإسلامية؟!
ثم، لماذا يصمت الوضع الدولي على هذه الجرائم، ولا تفرض أية عقوبات على ميانميار بسببها، مع أن ما دونها يستنفر العالم، ولو سقط إسرائيلي في أي مكان في العالم بخلفية سياسية، فسنجد أكبر زعماء العالم يدينون الحادث (للتذكير؛ زعيمة ميانيمار فائزة بجائزة نوبل للسلام نظير صراعها السابق مع السلطة لصالح الحريات قبل فوزها!!).
المصيبة أن الوضع الدولي قدم نصرة لفظية لأولئك البؤساء أكثر من الدول العربية والإسلامية، ولم نسمع سوى في الأيام الأخيرة بعض الإدانات الإسلامية، وهي إدانات خجولة لم تُترجم لتحرك دولي مقنع لنصرة أولئك القوم، أكان ضد القتلة ومن يحميهم، أم كان ضد الموقف المخزي لبنغلاديش.
مأساة أخرى تُضاف لكثير من المآسي التي يعيشها المسلمون، والذين أصبحوا أكثر أتباع الأديان تعرضا للاضطهاد، وأكثر البشر بحثا عن اللجوء هنا وهناك، سواء تم ذلك بأيدي آخرين، أم بأدي بعض طغاتهم، كما في سوريا التي أصبحت مأساة القرن بين خامنئي وبوتين وبشار.
الدستور 2017-09-05