هل غير «كيم» معتقدات سيؤول وطوكيو
لم تجد تهديدات ترمب لكوريا الشمالية بغضب ينزل من السماء؛ اذ ردت بيونغ يانغ وزعيمها «كيم جونغ اون» بتجربة من تحت الارض هزت سطحها بقوة 6 ريختر؛ معلنة عن ولادة قنبلتها الهيدروجينية الاولى؛ ليقدم بعدها ترمب ردا عنيفا عند سؤال الصحفيين عن الحدث الجلل بالقول «سنرى».
وبعد ايام استقرت الرؤية بوعود بفتح مخازن الاسلحة الامريكية المتطورة لليابان وكوريا الجنوبية المتفوقة اساسا من ناحية تقنية؛ مردفا ذلك بوعود تسمح لليابان وكوريا الجنوبية بتطوير ترسانتها العسكرية واطلاق العنان لمشاريعها للتسلح فاتحا شهية شركات السلاح الامريكية من جديد.
في مقابل هذ العروض السخية توجهت كل من سيؤول وطوكيو الى موسكو بحثا عن حل واقعي وعملي اكثر؛ فرئيس كوريا الجنوبية «مون جيه» غير معتقداته ورؤيته ووجهته؛ اذ توجه الى موسكو ليقول لنظيرة الروسي «أعتقد أنه إذا تعاونت كوريا الجنوبية وروسيا بشكل جيد، يمكن أن يكون ذلك قاعدة أساس لتحقيق السلام في المنطقة»؛ اي ان الرجل غيره معتقداته عن حقبة السلام الامريكي؛ وابدى استعداده للتعامل مع السلام الروسي دون الاشارة الى الصين؛ في محاولة للهروب من السلام الصيني الذي لن تتوقف فصوله عند حدود القنبلة النووية بل سيمتد الى الاقتصاد والمؤسسات المالية والتجمعات الاقتصادية؛ امر يحتاج الى مزيد من المفاوضات والتفاهمات مع بكين؛ فهامش المناورة لازال يسمح بمزيد من المناورات من خلال اللجوء الى موسكو؛ فتقبل كوريا الجنوبية للصين لازال عملية يصعب هضمها.
لم تتغير معتقدات الرئيس الكوري الجنوبي فقط بل ومعتقدات ومدركات ورؤية «شينزو ابي» رئيس وزراء اليابان الذي قال في نفس اليوم « يجب أن نجعل كوريا الشمالية تدرك أنه لن يكون لديها مستقبل مشرق إذا استمرت في مسارها الحالي، ولم تغير سياستها الحالية. وستعمل اليابان وروسيا معاً ضمن المجتمع الدولي من أجل ذلك»؛ فاليابان ايضا غيرت معتقداتها عن حقبة السلام الامريكي الا انها لا زالت تعاني من عسر هضم عند التعامل مع الصين؛ غير ان الروس على الارجح لن يتجاوزوا حليفتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية في بناء حقبة ما بعد السلام الامريكي.
المعتقدات والادراك في جنوب شرق اسيا والباسفيك تتغير يوما بعد يوم تجاه مفهوم السلام في المنطقة؛ فالسلام لا يمكن ان يتحقق بدون روسيا والصين؛ اما الولايات المتحدة الامريكية فلا تملك حلولا عملية سوى عرض المزيد من عقود السلاح على اليابان وكوريا الجنوبية؛ فما انفقته اليابان وكوريا الجنوبية خلال السنوات اوالاشهر الماضية لم يقنع امريكيا بلعب دور فاعل ليزيد من القناعة في سيؤول وطوكيو بان مفتاح الحل في يد موسكو وان هدر الموارد الاقتصادية لن يوقف التقدم الاقتصادي للصين.
موسكو ليست مجرد جار لكوريا الشمالية بل مفتاح كبير للتعامل مع الصين التي تخشاها كل من سيؤول وطوكيو؛ فهل تتمكن روسيا من تلطيف الاجواء بين العاصمتين الاسيويتين وبكين ولعب دور الوسيط؛ وهل ستنضم هذه الدول مكرهة او طوعا في المستقبل لمجموعة بريكس وشنغهاي ؛وهل سيصبح بنك التنمية الاسيوي بديلا للبنك الدولي وصندوق النقد لدولي؛ وهل ستصبح العملة الصينية بديلا للدولار؟.
كوريا الشمالية وقنبلتها الهيدروجينية كفيلة بفعل المعجزات اذ اظهرت عجز واشنطن العسكري والسياسي كمقدمة للاطاحة بها اقتصاديا وسياسيا في المستقبل القريب؛ فتهاوي القلاع والحصون الامريكية السياسية والاقتصادية مسألة باتت ممكنة ومعقولة في ظل تغير معتقدات العملاقيين الاقتصاديين طوكيو وسيؤول؛ ولكنها تحتاج الى وقت ومفاوضات جادة وعميقة اكثر تشارك فيها بكين وموسكو مع اليابان وسيؤول فالسلام لايتعلق فقط بالامن بل وبالاقتصاد ومستقبل المؤسسات والمنظمات الدولية، ما يعني ان تجارب بيونغ يانغ لن تتوقف بل ستشهد تصعيدا ومزيدا من الاهتزازات جنوب اسيا والباسفيك على مقياس ريختر.
السبيل 2017-09-07