أحزن ضعفين وأبكي مرتين

تم نشره الجمعة 08 أيلول / سبتمبر 2017 12:35 صباحاً
أحزن ضعفين وأبكي مرتين
حسني عايش

في مقال سابق بينت كيف ينشأ التعصب ويتطور ويصبح آيدولوجية راسخة تتجلى بالتمييز، القائم على الاستئثار، والاستثناء والإقصاء. وبكلام آخر أقول إنه لا يوجد تعصب بدون تمييز، ولا تمييز بدون تعصب، لكن التعصب يتكون أولاً ثم يترجم بالتمييز. 
اعلم أنه حيثما يوجد تعصب يوجد تمييز، وحيثما يوجد تمييز يوجد تعصب، وهما منتشران في بلاد المسلمين: العربية وغير العربية، وعلى مستوى الفرد والمجتمع والدولة فيها، ضد المرأة وضد الآخر. إنسَ الدساتير والقوانين واتفاقيات حقوق الإنسان المصدق عليها، أي لا تنظر إلى الدموع بل انظر إلى ما تصنع الأيدي.
ولما كان الأمر كذلك مع المتعصب فلا ينفع معه إحسان أو معروف، ومن ذلك ان أوروبا وأميركا فتحت أبوابها للمهاجرين واللاجئين المسلمين الفارين من الاضطهاد في بلادهم أو من أهوال الموت، وأمنتهم من خوف ومن جوع وأمية وبطالة، وساوت بينهم وبين مواطنيها، ومع هذا يخرج من بينهم من يفجر نفسه بأطفالهم وشبابهم ونسائهم ورجالهم ومسنيهم، أو ليطعنهم بسكين أو يدوسهم بشاحنة وهم في احتفال، أو في جريدة، أو في ملهى، أو في شارع، لأن التعصب عالق في أعمق أعاميق الإرهابيين فلا ينطفئ أو يلغيه وعظ، أو إحسان، أو معروف، أو احترام، وكأنه كان على الأوروبيين والأميركيين تعلم مقولة "اتق شر من أحسنت إليه" العربية ليتجنبوا الإرهاب.
وإذا لم تدرك ما أنا ذاهب إليه، فكر بالعكس، أي بسؤال نفسك كعربي/مسلم: ماذا لو كانت الحروب الأهلية والمذهبية مشتعلة في أوروبا أو في أميركا وفر مئات الآلاف من الناس هناك هاربين بأرواحهم إلى بلاد المسلمين: العربية وغير العربية؟ هل تفتح لهم أبوابها وتلاقيهم بالأحضان وتؤمنهم من خوف، وتطعمهم من جوع، وتوفر لهم الإسكان والتعليم والعمل؟ 
ثم ماذا لو قام أنفار منهم بالتفجير في المساجد والقاعات والمناسبات والصحف والشوارع وقتلوا الأطفال والشباب والشابات والمسنين؟ هل تترك واحداً منهم فيها؟ ماذا لو استمروا بزيهم ولباسهم؟ هل تسمح لهم بذلك؟ اسألوا ضمائركم.
نحن - عرباً / مسلمين - لم نغادر عقلية العصور الوسطى الأوروبية بعد، حيث كانت الحروب الأهلية والمذهبية الدامية جارية على قدم وساق. 
لقد حلّت المسيحية في الغرب مشاكلها أو أزمتها بالعقلانية، والعلمانية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، فقلما تجد أحداً في الغرب يسألك عن دينك أو مذهبك، أو أصلك، أو فصلك.. لقد توارت مصادر التعصب هذه إلى الخلف. 
فهل ما يجري الآن في بلاد المسلمين: العربية وغير العربية، من تكفير وحروب وأنهار دماء سيطهرهم من تلك العقلية المستمرة بتعبئتهم بالتكفير، وتحليل دم المخالف أو المختلف ؟
إننا كمسلمين: عرباً وغير عرب، عالقون في وقعة صعبة أو سخنة ليس من السهل الخروج منها ما لم نتعرف بالسبب الحقيقي لها، وما لم نقم جدياً بتفكيكه في المدرسة والجامعة والجامع والإعلام حتى الآن خوفاً من الإرهابيين أو نفاقاً لهم وللعامة. 
أقول أقوالي هذه صادقاً مع نفسي كعربي وكمسلم، ومع المجتمعات المؤيدة للإرهابيين، لكن من الحرص على واقع أفضل ومستقبل أجمل، وأتلقى عليه السباب والشتائم والتكفير والتحريض والتهديد اليومي من هؤلاء الداعشيين الظاهرين والمقنعين المعشعشين في كل قطاع وعلى كل مستوى، لأنها تتحدى ما رسخ في عقولهم من ثوابت إرهابية لم تخضع يوماً للمساءلة والمحاكمة. 
لذلك أحزن ضعفين وأبكي مرتين: مرة كعربي وأخرى كمسلم، للدماء التي تسيل من الضحايا والقتلة كل يوم تحت العنوانين: العرب والمسلمون.

الغد  2017-09-08



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات