أحزن ضعفين وأبكي مرتين
في مقال سابق بينت كيف ينشأ التعصب ويتطور ويصبح آيدولوجية راسخة تتجلى بالتمييز، القائم على الاستئثار، والاستثناء والإقصاء. وبكلام آخر أقول إنه لا يوجد تعصب بدون تمييز، ولا تمييز بدون تعصب، لكن التعصب يتكون أولاً ثم يترجم بالتمييز.
اعلم أنه حيثما يوجد تعصب يوجد تمييز، وحيثما يوجد تمييز يوجد تعصب، وهما منتشران في بلاد المسلمين: العربية وغير العربية، وعلى مستوى الفرد والمجتمع والدولة فيها، ضد المرأة وضد الآخر. إنسَ الدساتير والقوانين واتفاقيات حقوق الإنسان المصدق عليها، أي لا تنظر إلى الدموع بل انظر إلى ما تصنع الأيدي.
ولما كان الأمر كذلك مع المتعصب فلا ينفع معه إحسان أو معروف، ومن ذلك ان أوروبا وأميركا فتحت أبوابها للمهاجرين واللاجئين المسلمين الفارين من الاضطهاد في بلادهم أو من أهوال الموت، وأمنتهم من خوف ومن جوع وأمية وبطالة، وساوت بينهم وبين مواطنيها، ومع هذا يخرج من بينهم من يفجر نفسه بأطفالهم وشبابهم ونسائهم ورجالهم ومسنيهم، أو ليطعنهم بسكين أو يدوسهم بشاحنة وهم في احتفال، أو في جريدة، أو في ملهى، أو في شارع، لأن التعصب عالق في أعمق أعاميق الإرهابيين فلا ينطفئ أو يلغيه وعظ، أو إحسان، أو معروف، أو احترام، وكأنه كان على الأوروبيين والأميركيين تعلم مقولة "اتق شر من أحسنت إليه" العربية ليتجنبوا الإرهاب.
وإذا لم تدرك ما أنا ذاهب إليه، فكر بالعكس، أي بسؤال نفسك كعربي/مسلم: ماذا لو كانت الحروب الأهلية والمذهبية مشتعلة في أوروبا أو في أميركا وفر مئات الآلاف من الناس هناك هاربين بأرواحهم إلى بلاد المسلمين: العربية وغير العربية؟ هل تفتح لهم أبوابها وتلاقيهم بالأحضان وتؤمنهم من خوف، وتطعمهم من جوع، وتوفر لهم الإسكان والتعليم والعمل؟
ثم ماذا لو قام أنفار منهم بالتفجير في المساجد والقاعات والمناسبات والصحف والشوارع وقتلوا الأطفال والشباب والشابات والمسنين؟ هل تترك واحداً منهم فيها؟ ماذا لو استمروا بزيهم ولباسهم؟ هل تسمح لهم بذلك؟ اسألوا ضمائركم.
نحن - عرباً / مسلمين - لم نغادر عقلية العصور الوسطى الأوروبية بعد، حيث كانت الحروب الأهلية والمذهبية الدامية جارية على قدم وساق.
لقد حلّت المسيحية في الغرب مشاكلها أو أزمتها بالعقلانية، والعلمانية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، فقلما تجد أحداً في الغرب يسألك عن دينك أو مذهبك، أو أصلك، أو فصلك.. لقد توارت مصادر التعصب هذه إلى الخلف.
فهل ما يجري الآن في بلاد المسلمين: العربية وغير العربية، من تكفير وحروب وأنهار دماء سيطهرهم من تلك العقلية المستمرة بتعبئتهم بالتكفير، وتحليل دم المخالف أو المختلف ؟
إننا كمسلمين: عرباً وغير عرب، عالقون في وقعة صعبة أو سخنة ليس من السهل الخروج منها ما لم نتعرف بالسبب الحقيقي لها، وما لم نقم جدياً بتفكيكه في المدرسة والجامعة والجامع والإعلام حتى الآن خوفاً من الإرهابيين أو نفاقاً لهم وللعامة.
أقول أقوالي هذه صادقاً مع نفسي كعربي وكمسلم، ومع المجتمعات المؤيدة للإرهابيين، لكن من الحرص على واقع أفضل ومستقبل أجمل، وأتلقى عليه السباب والشتائم والتكفير والتحريض والتهديد اليومي من هؤلاء الداعشيين الظاهرين والمقنعين المعشعشين في كل قطاع وعلى كل مستوى، لأنها تتحدى ما رسخ في عقولهم من ثوابت إرهابية لم تخضع يوماً للمساءلة والمحاكمة.
لذلك أحزن ضعفين وأبكي مرتين: مرة كعربي وأخرى كمسلم، للدماء التي تسيل من الضحايا والقتلة كل يوم تحت العنوانين: العرب والمسلمون.
الغد 2017-09-08