كوريا الشمالية والعراق.. الشيء بالشيء يذكر
وحده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من التقط القاسم المشترك الاعظم، بين تجربة العراق المجهضة في مجال بناء قدرة نووية ذاتية، اثارت الدنيا ولم تقعدها آنذاك، وبين تجربة كوريا الشمالية الناجحة في تطوير برنامج نووي صاروخي مزدوج، وصل ذروته يوم الاحد الماضي باختبار قنبلة هيدروجينية ذات قوة تدميرية تفوق بمئة مرة قنبلة هيروشيما، مع قابلية تحميلها على صاروخ بالستي عابر للقارات، الامر الذي اثار الدنيا مرة اخرى، وقد لا يقعدها في المدى المنظور.
لم يشرح لاعب الشطرنج في الكرملين، السعيد في سره بالقنبلة الكورية الشمالية، اوجه الشبه ومواضع الاختلاف بين كلا التجربتين اللتين ووجهتا بمعارضة شديدة من جانب الدول الغربية، لكنه ألمح الى ان بيونغ يانغ كانت تراقب بصمت وحذر ما جرى للبرنامج النووي العراقي، بل وما جرى للعراق نفسه العام 2003، وتستقي منه العبر والدروس المفيدة، واضعة نصب اعينها ضرورة عدم تكرار مشاهد الصدمة والرعب التي قوضت بلداً بكامله، وأسست لكل هذه الفوضى العارمة في الشرق الاوسط.
والحق ان صلة النسب والمصاهرة بين البرنامجين الموزعين بين شرق آسيا وغربها، لم تغب عن اذهان كل المخاطبين بالموقف العدائي الغربي العنيد، ازاء كل من الرئيس الراحل صدام حسين وكيم جونغ اون اللذين اظهرا اصراراً عميقاً على امتلاك قوة ردع فوق تقليدية، وتحليا برباطة جأش لا حد لها، الا ان الظروف الموضوعية والذاتية، ناهيك عن التحولات الدولية التي رافقت برنامج الاول، وعلى رأسها انهيار الاتحاد السوفياتي والتفرد الاميركي بالزعامة العالمية، جاءت ذات الظروف والتحولات مواتية للثاني بصورة طيبة، لا سيما مع عودة التعددية القطبية.
ادرك صدام حسين وكيم جونغ اون، مبكراً، حقيقة انه لا يفلّ الحديد الا الحديد، وانه لا مكان على المائدة الا للأقوياء، وغير ذلك الرجاء والاستعطاف والإذلال، فمضى كل منهما في طريق المغامرة الخطرة، لامتلاك ناصية القوة التي لا تقهر، وتحقيق المعادلة التي تجلب الأمن الى اجل غير معلوم. وفيما دارت الدوائر في رابعة النهار ضد اول عربي تجرأ على قصف تل ابيب، فشلت ذات الدوائر في افشال برنامج حفيد كيم ايل سونغ، الذي راقب تهافت التجربة العراقية بصمت، وعمل على تلافي هناتها بذكاء وفطنة.
ولعل الفارق الجوهري بين العراق وكوريا الشمالية، ان البلد العربي الوحيد المتمرد على الهيمنة الاميركية في حينه، اتعبه الحصار الطويل، ونالت منه العقوبات الشديدة، وخذله الاشقاء والاصدقاء، وتحالفت ضده امم الغرب والشرق، فمال الى المهادنة، وحاول تجنب ما كان يحاك له من مؤامرة، ورضخ لفرق التفتيش الدولية، ثم تخلى عن اسلحته الكيماوية (قنبلة الفقراء الذرية)، بينما صبرت بيونغ يانغ على عقوبات كانت اشد وطأة، ومد زعيمها الشاب لسانه للعالم، الذي كان يتوعده بالثبور وعظائم الامور، غير آبه بالتهديدات الاميركية الجوفاء، خصوصاً حين فاجأ الاعداء والخصوم بتفجير اول قنبلة نووية، بعد مرور ثلاث سنوات على الغزو الاميركي للعراق.
وعليه، فقد قدمت التجربة العراقية الموءودة خبرات ثمينة، عرف رجل كوريا المتهور كيف يستخلص منها الدروس المفيدة، دون ان يسقط من حسابه المعادلة الدولية الجديدة، حيث هناك اليوم دولتان كبيرتان، الصين وروسيا، تتلذذان برؤية الدولة العظمى وهي تتصبب عرقاً مع كل تجربة صاروخية، وتبلع ريقها مع كل تفجير نووي كوري آخر، فيما أعينها متجهة الى اماكن اخرى، في مقدمتها ايران التي تراقب تطورات المشهد عن بعد، وتتحيّن الفرصة السانحة، لتدخل النادي النووي، وتنتزع مقعدا لها حول المائدة المقتصرة على عضوية الدول الغنية.
لا يستطيع المرء وهو يتابع التهديدات الاميركية الفارغة ضد كوريا الشمالية، ومن غير أن يبدي اعجابه بنظام الحكم الشمولي في بيونغ يانغ، ان يداري كثيراً على شعوره بالأسى والحزن على ما آل اليه البرنامج النووي العربي المغدور من خاتمة أتت كهدية مجانية لإسرائيل النووية، او ان يخفي سروره العميق بنجاح بلد يعيش على حد الكفاف، حتى لا نقول الجوع، بتحقيق هذه السابقة التاريخية في مجرى علاقات العالم الثالث مع الولايات المتحدة، التي كانت اول دولة استخدمت القنابل النووية، وحاولت بعدها حرمان دول العالم الاخرى امتلاك سلاح يوم القيامة.
الغد 2017-09-08