حلاميش.."لا تنتظر صلاح الدين..."
1977: حاول أهالي قرية ديرنظام منع الاستيلاء على أراضيهم باللجوء للقضاء، فردّوهم بقانون يتذرع بأنهم لم يكونوا يزرعونها؛ وتأسست مستوطنة "حلاميش"، شمال غرب رام الله. وأشهر ما في المستوطنة الصهيونية مدرسة لمرحلة ما قبل الجيش، تقوم بتعبئة وتعليم الشبان دينياً. أمّا أهالي قرية النبي صالح، فحاولوا استعادة نبع الماء العائد لهم، ليستمروا بزراعة الحقول المحيطة به، ولكن مستوطني حلاميش ادّعوا ملكيته، وبما أنّ حجة المستوطنين واهية، استخدم الاحتلال ذريعة لمنع الأهالي من النبع، وهو أنّه موقع أثري لا يجوز استخدامه. إذن: إذا لم تستخدم الأرض فقدتها، وإذا أردت استخدامها مُنِعت.
1973 – 1978: عندما ذهب عمر البرغوثي للدراسة في جامعة بيروت العربية عام 1973، لم تكن حلاميش قد قامت. وعندما عاد أبو مخلص من الخارج ليعمل حارساً في جامعة بيرزيت كان يريد المشاركة في بناء شبيبة. ولكن بعد حلاميش، تغيرت الأمور. وانتظم مع عمر كل من فخري ونائل وفهد، وكلهم من كوبر، وطعنوا المستوطنين قرب حلاميش. وعندما اعتقلوهم، عام 1978 وقضوا وما زال منهم من يقضي عشرات السنوات في المعتقل، اعتقل معهم شبان، هم مروان، وعبدالكريم، ورائد، وفي المعتقل فقط قرروا بأيّ من فصائل الثورة المسلحة سيلتحقون، وصار منهم مروان البرغوثي. وعندما خرجَت كشافة كوبر وأطفالها وبناتها قبل أشهر للتضامن مع الأسرى، هتف الأطفال كما الكبار، لأبي مخلص، الذي رحل عن الدنيا في التسعينيات، بعد أن قاد من موقعه حارساً في جامعة حركات شبيبة ونضال خلّدته في وجدان المناضلين، وكان قائداً لشخص مثل مروان، ويُسمّي البعض قريته باسم قلعة أبو مخلص.
21 تموز 2017: تلخّص عبارة الشاب عمر العبد، ابن قرية كوبر، في رام الله، الذي نفذ عملية في حلاميش، الكثير من معالم المرحلة، والعبارة التي يتناقل الأهالي أنّه وضعها على صفحته على الفيسبوك، هي "لا تنتظر صلاح الدين.. كن أنت صلاح الدين"، كأنّه يقول لن ننتظر الفصائل والقيادات. ثم قراره وضع عُصبة حركة "حماس" على رأسه وشعارات حركة "فتح" على صدره، كأنّه يقول إرثك النضالي أيتها الفصائل لم يضع هدراً، ولكننا نلجأ للعمل الفردي في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي أعلن بها رسائلي، وفي ظل انشغالكم بالانقسام.
كان عمر العبد يستعد للدراسة في الجامعة، لم تكن لديه أيديولوجية أو فصيل محدد، كان لديه صديقة في قطاع غزة، وكان يركب الخيل، ولم يكن يائساً وبلا حياة، تماماً مثلما كان عمر البرغوثي، وفخري، ومروان، وأبو مخلص.
كنتُ أتحدث مع شابات وشبان من مدينة القدس قبل أيام، أنيقين يجارون الموضة. وكان الحديث عن الحياة اليومية هناك، وعن تفاصيل حلهم وترحالهم، ومشاهداتهم تحت الاحتلال. وبدأت تدريجياً أشعر بالغضب يتصاعد في جسدي. أخبرتهم بما أشعر، فأخبروني أنّهم يشعرون بذلك أيضاً.
وصل حديثي مع الشبّان بشكل ما للشهيدة هديل عواد، ابنة الأربعة عشر عاماً من مخيم قلنديا، في العام 2015، التي أجد نفسي أتحدثُ عنها في كل مكان، حتى في لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة، الأسبوع الفائت. وكيف حاولت بمقص صغير هزيل، وقدمين ضعيفتين، مهاجمة جندي بكامل عتاده ودروعه، فقتلوها، وضربوا وسجنوا قريبتها نورهان. فقالت فتاة من المجموعة: أعرفها شخصياً، وحتى نحو أسبوعين قبل عمليتها، كانت تطلب المساعدة لترفع من درجاتها المدرسية لتتمكن من دراسة الطب. كانت تعتقد أنّ شقيقها عندما أصيب قبل استشهاده كان يحتاج طباً أفضل، وتريد دراسة الطب، وتريد تحسين وضعها التعليمي.
تذكر الشبان المقدسيون أثناء الحديث ضرورة إحياء ذكرى بهاء عليان، بالمشاركة في حلقات القراءة. فقد كان قبل لجوئه لسلاح الطعن يكرس حياته لفتح المكتبات العامة وفعاليات القراءة في الشوارع وحول أسوار القدس.
ليس غريباً تحول عمر إلى أغنيّة؛ ليس لأنّ أحداً يحب القتال والقتل، ولكن لأنّه كان زفرة وتنهيدة بمواجهة الذّل والقمع. وليس غريباً على من صادر الأرض وسيّج النّبع اعتقال فرقة مغنين من قرية بيت ريما، غنّت لعُمَر في عرس في قرية كفر عين، حتى وإن جاء في الأغنية بجانب الإشادة بعمر "يا مستوطن بدنا نعيش".
الغد 2017-09-08