نتنياهو إذ يحتفل بالعلاقة مع الدول «السنية»!!
قبل أيام قال نتنياهو لدبلوماسيين إسرائيليين خلال حفل بمناسبة عيد رأس السنة اليهودية في وزارة الخارجية في القدس: «ما يحدث في الواقع مع البلدان العربية لم يحدث من قبل في تاريخنا، حتى عندما وقّعنا على اتفاقيات»، مضيفا أن التعاون بين كيانه والبلدان العربية قائم «بطرق عدة، وعلى مستويات مختلفة»، موضحا أنه لا يزال غير ظاهر على السطح، وبعيد عن الرأي العام، «هناك أكثر بكثير مما كان عليه الوضع خلال أي فترة أخرى في تاريخ إسرائيل. هذا تغيير هائل. العالم كله يتغير».
من المؤكد أن هناك قدرا من المبالغة والتبجح في حديث نتنياهو آنف الذكر، وبالطبع لحاجته لتقديم إنجازات تفيده داخليا في ظل قضايا الفساد التي تلاحقه، لكن المؤكد أيضا أن جزءا من الكلام صحيح، وهو ما تكشفه أنباء متفرقة تتداولها الصحافة الأجنبية بين حين وآخر. وحين تجري الإشارة في مناسبات مختلفة إلى دول بعينها، فسيكون من الصعب تكذيب الأمر ما لم تبادر تلك الدول إلى النفي، وهو ما لا يحدث في الغالب؛ أقله إلى الآن.
لم يتوقف نتنياهو عند الاحتفال بعلاقات متنامية مع دولة عربية، بل تحدث عن اختراقات كبيرة أيضا في العلاقات الدولية، أكان في أفريقيا أم أمريكا اللاتينية، وهذه تجري في العلن، ويحق له التفاخر بها، وهي تعبّر بدورها عن استخفاف من الدول المشار إليها بالعالم العربي.
ما يجب أن يقال ابتداءً هو أن فترة الهدوء الاستثنائية التي منحتها القيادة الفلسطينية للعدو طوال هذه السنوات، والتعاطي مع سلطتها كما لو كانت دولة لا ينقصها سوى القليل؛ مع التعاون الأمني ورفض المقاومة.. كل ذلك كان له دوره في تشجيع الكثيرين على فتح علاقات مع الكيان الصهيوني، ولسان حال بعضهم: «لماذا نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين» الذين لا يطبّعون وحسب، بل يتعاونون أمنيا. ونتذكر في هذا السياق كيف أن العلاقات التي نشأت مع الكيان نهاية التسعينيات، ومطلع الألفية، ما لبثت أن شطبت أو كثير منها بعد انتفاضة الأقصى، ما يعني أن العالم يحترم الشعب الذي يقاوم، ويتعاطف مع قضيته، ويقف ضد عدوه بهذا القدر أو ذاك.
على أن ذلك لا ينسحب على العالم العربي، ولا يجب أن ينسحب بحال من الأحوال، فهنا والآن، يراقب الجميع كيف يستخف الكيان الصهيوني بكل محاولات التسوية، بما فيها العروض العربية، ويواصل التهويد والاستيطان، ولا يمكن أن يتم الرد على ذلك بمحاولات تطبيع من أي لون كان.
المصيبة أن بعض ذلك يتم خوفا من الولايات المتحدة، أو لكسبها ضد إيران (التطبيع يخدم الدعاية الإبرانية بطبيعة الحال)، في ظل قناعة بانحياز سافر من قبل ترامب للكيان، وقد يتم الجزء الآخر، كفاتحة لما يسمى الحل الإقليمي الذي يعني فتح باب مفاوضات يعلم الجميع أنها لن تسفر عن شيء، مقابل تكريس الوضع الراهن، وفتح أبواب التطبيع على مصراعيه، وقد يتحدث البعض كما تحدثوا من قبل عن أن التطبيع يشجع الكيان على التنازلات!!
من هنا ينبغي القول إن على الفعاليات الشعبية التي نشأت في التسعينيات ضد تيار التطبيع في عدد من الدول العربية أن تستعيد نشاطها، مع أننا نتمنى أن لا يتورط أحد في مسلك من هذا النوع، لا سيما أنه سيكون تطبيعا مجانيا، ينهض جزء معتبر منه على لون من الوهم القائل بمجاملة الولايات المتحدة في وقت يتمرد عليها كثيرون في العالم. والأسوأ أنه تطبيع يأتي في وقت تتصاعد فيه المواقف الشعبية من قبل فعاليات غربية ضد ألوان كثيرة من التعامل مع الكيان الصهيوني.
في ضوء ذلك كله يغدو تحذير الشرفاء في العالم العربي من هذا المسار ضرورة ملحة، ففلسطين كانت وستبقى قضية الأمة المركزية، ولا ينبغي تركها مهما كانت الجراح الأخرى كبيرة وكثيرة.
الدستور 2017-09-09