لماذا لا يستفيد الإسلاميون من تجاربهم السابقة؟
ثمة مزاج عام في أوساط الحركات الإسلامية، يتسم بالنفور من دراسة التجارب السابقة وتقييمها، لأخذ الدروس والعبر منها، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتوافرة، كتجربة إخوان سوريا في ثمانينات القرن الماضي، وتجربة المجاهدين الأفغان التي آلت إلى فشل ذريع، وتجارب الربيع العربي المريرة.
يصاحب ذلك النفور، توجه طاغ يتمثل في تحميل مؤامرات الأعداء، ومخططات الخصوم مسؤولية إفشال تجارب تلك الحركات، وكأنهم كانوا ينتظرون من أعدائهم وخصومهم أن يخلوا لهم الساحة لينفذوا مشاريعهم دون مضايقات أو ملاحقات أو معوقات!.
مواجهة مشاريع الإسلاميين التغييرية والإصلاحية قرار مجمع عليه من قبل جهات وقوى ودول عديدة، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لها، ذلك أن طبيعة المشاريع الإسلامية لا تقبل المشاركة على الأقل من وجهة نظر الآخرين، فهي في نظرهم مشاريع تسعى لفرض هيمنتها الفكرية والعملية، وسحب البساط من تحت أرجل الآخرين، والتفرد بالسلطة والحكم.
لا ينبغي للحركات الإسلامية أن تصدم بحجم المواجهة الشرسة التي توجه ضد مشاريعهم، وإن غفلوا عن ذلك ولم يعدوا له عدته، ولم يتنبهوا له حق الانتباه، فهذا قصور شديد في فهم طبائع الأشياء، وخلل عميق في الاستعداد الحقيقي لمختلف السيناريوهات الممكنة والمتوقعة.
من المؤسف حقا أن الأخطاء ذاتها تتكرر في كل تجربة جديدة، وذلك لغياب دراسة التجارب السابقة والإستفادة من أخطائها ودروسها، أذكر أن أخا سوريا إبان أحداث الجهاد الأفغاني كان كثيرا ما يعلق على أحداث ووقائع مؤسفة تقع في صفوف المجاهدين الأفغان، بأنها ذات الأخطاء التي عايشها إبان تجربة إخوان سوريا في أحداث حماة في ثمانينات القرن الماضي.
قد تعذر تلك الحركات لعدم قيامها بدراسة تلك التجارب وتقييمها إبان وقوعها وجريانها، لكن لماذا تنفر من فعل ذلك بعد انتهائها، وإسدال الستار على آخر فصولها، لماذا لا يقدم الباحثون والدارسون من أبناء تلك الجماعات على دراسة وتقييم تجربة إخوان سوريا؟ والكشف عن الأخطاء التي ارتكبت وتسببت في ذلك الفشل الذريع، ولماذا لا تدرس حالة الجهاد الأفغاني بمآلاته الكارثية المفجعة؟ ولماذا لا يجري تقييم عام وشامل لأداء الحركات الإسلامية في مرحلة الربيع العربي، وتشريح أخطائها، وتحليل مكامن الخلل في أدائها..؟.
والكلام ذاته يُقال وبشدة بشأن عن تجربة الحركات والفصائل الإسلامية في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، فأين هي الدراسات التقييمية لتلك التجارب؟ وهل يوجد من تصدى لدراسة وتقييم تجربة الحزب الإسلامي العراقي؟ والحال ذاته ينطبق الآن على تجربة فصائل الثورة السورية الإسلامية، التي تكرر قدرا كبيرا من الأخطاء التي وقعت فيها فصائل المقاومة العراقية.
أما تجربة الحركات الإسلامية السياسية التي خاضت غمار العمل السياسي بعد الربيع العربي، وتسلمت زمام السلطة في بعض الدول العربية، وآلت جميع تجاربها إلى الفشل، فهي الأخرى بحاجة إلى دراسات جسورة، وتحليلات موضوعية عميقة، تكشف عن طبيعة أدائها، وتضع النقاط على الحروف فيما يقال عن سذاجتها السياسية، التي مكنت الخصوم من جرها إلى المربع الذي يريدونه.
صدمة قادة تلك الحركات بما حدث ووقع كانت مربكة لهم، وقد عبر عنها بكل صراحة الشيخ عبد الفتاح مورو، نائب زعيم حركة النهضة التونسية، حينما قال بأنهم فوجئوا بأن مفاصل الدولة في قبضة رجالات الدولة العميقة، وليس في يد من يفوز بالانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، لكن هذا الاكتشاف للأسف كان متأخرا جدا.
ليت مفكرو ومنظرو تلك الحركات ينهضون بعبء دراسة تلك التجارب، وتحليل أسباب فشلها، حتى تستفيد أجيال الإسلاميين القادمة من تلك التجارب، فتتحاشى في حركتها الوقوع في ذات الأخطاء، وتستفيد منها بصياغة استراتيجياتها الذاتية بعيدا عن ردات الأفعال، أو سلوك مسارات تفرض عليها من خارجها، لتكون النتائج كما يريدها الأعداء لا كما تريدها هي!.
السبيل 2017-09-12