ثلاث مراحل للسراب "الحمساوي"
يقوم حالياً وفد من قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بزيارة هي الثانية إلى مصر، خلال أشهر، في محاولة لإعطاء زخم للمصالحة مع القاهرة، يساعد بفك الحصار عن سلطة "حماس" في غزة، وبالتالي عن قطاع غزة عموماً. هذه المراهنة، هي إصرار على طريق طويل لحل مشكلات "حماس" التنظيمية، وحل المشكلة الفلسطينية، بالرهان على طرف إقليمي خارجي، مع أنّ دروس الماضي، أنّه دون إصلاح الفلسطينيين ما بأنفسهم لن يَصلُح حالهم، وأنّ رهان أي تنظيم أو حتى نظام، على تنظيم أو نظام آخر غير مُجْدٍ دون حسم العامل الذاتي.
دفع الإخوان المسلمون الفلسطينيون الثمن باهظاً شعبياً وتنظيمياً، طوال نحو أربعين عاماً عندما أصروا على الحل الأممي، وعلى تغيير المنطقة والمحيط الإقليمي كمقدمة وأولوية تسبق التحرير فرفضوا الحل الوطني (العامل الذاتي) لصالح الحل الأممي. ولم يتبوأ الإخوان مكانة مميزة جماهيرياً فلسطينياً إلا عندما وطّنوا العمل الإخواني، بتأسيس حركة "حماس"، وتبني المقاومة، نهاية الثمانينيات.
عندما دخلت "حماس" انتخابات 2006 التشريعية وفازت بها لم تكن قد حققت قبولا دوليّاً خصوصاً من الغرب، ففرض على الفلسطينيين حصار، وأدى نزاع السلطة إلى الصِدام المسلح مع "فتح". وراهنت "حماس" عقب سيطرتها على غزة على سقوط الحصار تدريجياً، ووصل الرهان حد خداع الذات، ويمكن الرجوع للأراشيف، لإحصاء تصريحات اسماعيل هنية، بصفته رئيساً للحكومة في غزة أنّ الحصار انتهى، فعلى سبيل المثال، قال هنية، في آيار (مايو) 2010، إنّ "هذا الحصار الظالم انتهى وهو في الربع ساعة الأخير". ومع الربيع العربي، دخلت "حماس" المرحلة الثانية من السراب. فبعد أن اعتبرت في المرحلة الأولى، الأولوية لحل أممي إخواني وإقامة دولة إسلامية قبل التحرير، تصورت في الثانية، أنّه يمكن فلسطينياً، ولسلطة "حماس" الاعتماد على دعم الأنظمة الإخوانية في مصر وتونس. ولم يتبدد هذا الوهم فقط لأنّ النظام الإخواني في مصر لم يستمر، بل اتضح قبل ذلك أنّ ذلك النظام لا يملك سوى هوامش محدودة للتراجع عن اتفاقات السلام مع "إسرائيل"، وإنهاء الحصار، فرفض الرئيس المصري الإخواني استقبال وفد يرأسه اسماعيل هنية، حتى قابل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورفض فكرة منطقة حرة مع غزة، ولم يجر تحسين فتح معبر رفح إلا بقدر محدود، ما حدا حتى بوزير داخلية "حماس" فتحي حماد لقيادة احتجاجات وتظاهرات في غزة ضد عدم حل النظام الإخواني لمشاكل "حماس" وغزة.
الآن، دخلت "حماس" مرحلة سراب ثالثة، فجرى فك ارتباط نسبي مع الإخوان المسلمين، كما اتضح من تصريحات قيادات حمساوية عديدة، ومن وثيقتها المعلنة هذا العام، ولكن بالتوازي تم التصعيد مع القيادة الفلسطينية في رام الله، ففي موازاة إعلان وثيقة تقدم اعتماداً لدول في العالم، حد مناشدة خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة حينها، عبر CNN، الرئيس الأميركي دونالد ترامب استغلال الوثيقة والانفتاح على "حماس"، جرى الهجوم إعلامياً في ذات اليوم من "حماس" في غزة ضد محمود عباس، وبدل استئناف حوارات بيروت حول منظمة التحرير التي أجلت لحين انتهاء انتخابات "حماس" الداخلية جرى تشكيل حكومة في غزة ألقت القسم أمام أعضاء في المجلس التشريعي، وسميت لجنة إدارية، وجرى التنسيق مع محمد دحلان بأمل أن يساعد في فتح الخطوط مع القاهرة وأنظمة عربية أخرى.
عدا العداء التقليدي من قبل الأنظمة التي تراهن عليها "حماس" للإخوان المسلمين، فإنّ الهامش الذي تقوم فيه الأنظمة بنصرة تنظيم ضد نظام (هو هنا الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير) تبقى محدودة، ولا يمكن أن تغني عما كانت تقدمه السلطة في رام الله منذ بدء السيطرة العسكرية لحماس على غزة.
لذا فإنّ رهان "حماس" أن تحظى بدعم عربي بمعزل عن ترتيب الأمر وطنياً هو سراب. لا يمكن تعويض الانفصال عن الضفة، ولن تذهب الأنظمة والعالم بعيداً في دعم "حماس". الحل هو حل اللجنة الإدارية، غير الضرورية، والموافقة على عدم جعل حل مشكلة الموظفين الذين عينتهم شرطا يسبق أي أمر آخر، والعودة لحوارات منظمة التحرير، ويمكن أن تفعل هذا من مصر كبَادِرة ثقةٍ مع القاهرة.
الغد 2017-09-13