نتانياهو «مُقتحِماً».. أميركا اللاتينية
فيما يواصل عرب اليوم، مسيرة انحدارِهم «التاريخي» التي تقترب من انتحار جماعي وذهاب بعيون مفتوحة الى الهاوية. وفيما تتسابق انظمة عربية في عملية رقص مجنونة لإفشال كل محاولات إطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة العربية وعلى تخومها، وتدفع شعوبها ثمن خطايا وارتكابات بعض الأنظمة، وفيما يتراجع الإهتمام بالقضايا التي قيل ذات يوم في وصفها (إعلامياً وكلامياً بالطبع) انها مركزية وتحتل اولوية على جداول اعمالها ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتاليا قضايا التعاون والتنسيق الثنائي او الجماعي، وبخاصة التجارة البينية وحرية التنقل والاستثمار وغيرها مما حفِل بها خطاب مرحلة التكاذب العربي التي طالت عقودا، ثم انفجرت على شكل حروب بينية ومؤامرات وكيد سياسي، ما لبِث ان تحوَّل الى محاولات لإسقاط الانظمة وإشعال الفتن والحروب الأهلية داخلها.. تحت مزاعم وذرائع متهافِتة، لم تصمد مقولات مُشعليها امام حقائق التاريخ والجغرافيا، وخصوصا في كونهم غير مؤهلين لقيادة ثورات او «التبشير» بربيع عربي، هم أول من «نَعاه»، واستعدّوا للإحتفال بدفنه. ودائماً على حساب الجماهير العربية وحقوقها الاساسية في الحرية والديمقراطية والتنمية والعدالة الإجتماعية ومبادئ المواطَنة ودولة القانون وحماية المال العام وحرية الرأي والتعبير والتفكير.. والضمير.
في خضم ذلك كلِّه، تواصل اسرائيل «صعودها» وتعزيز مكانتها السياسية والدبلوماسية وخصوصاً قوتها العسكرية وتحالفاتها، التي تزداد هوامشها اتساعا افقيا وعاموديا، على نحو يسمح لقادتها التبجح بأنها تعيش عصرا ذهبياً ووضعاً استراتيجياً «غير مسبوق». لا يتورع هؤلاء عن وصف دولتهم بانها قوة عظمى اقليمية بل يصل الغرور بهم حدود الإدعاء بانها تملك ثاني اقوى جيش في العالم، والقوة التكنولوجية الأولى في المعمورة. وفي الاثناء يواصل رئيس حكومة اليمين الفاشي «فتوحاته» السياسية والدبلوماسية، وهو الان يزهو بـ»غزوته» الأميركية اللاتينية التي تزامنت (للصدفة ربما) مع ذكرى أحداث الحادي عشر من ايلول الأميركي، كأول رئيس وزراء لدولة العدو الصهيوني يهبط في اراضي ثلاث دول اميركية لاتينية هي الارجنتين وكولومبيا والمكسيك، حاملا معه «بضاعة» لا يتوافد عليها العرب بالتأكيد، ومصحوبا بحملة إعلامية مُبرّمَجة وصاخبة، تستعيد سردية «اليهودي» ضحية اللاساميّة والارهاب «الإسلامي» وخصوصاً «إرهاب» حزب الله وخطر إيران «النووي» المزعوم، كما سيفعل في العاصمة الارجنتينية عند إحياء «ذكرى» تفجير السفارة الاسرائيلية في بيونس آيرس عام 1992 والمركز اليهودي في ذات العاصمة عام 1994 مُستقِبلاً في الارجنتين ايضا رئيس الباراغوي الذي يأتي الى بيونس آيرس لنيل «بركات» نتانياهو ورضى الجاليات اليهودية النافذة في تلك القارة، التي كان فيها للعرب ذات يوم أهمية ومكانة ودور، إلاّ أن عرب اليوم تخلٍّوا عنها واداروا ظهورهم لشعوبهم ولم تكن تجربة القمم العربية الأميركية اللاتينية المُرّة، سوى الدليل على انعدام جدّية بعض الانظمة العربية وضحالة خيالها السياسي وارتهانها لرؤية السيد الأميركي الأبيض، الذي بدأ يحصد الآن نتائج تعثّر وفشل تجربة اليسار اللاتيني، الذي كان عاد وبقوة منذ بداية هذا القرن وربما قبله بعقد من السنين الى السلطة عبر التنافس الديمقراطي، لكن التآمر الاميركي على تلك الانظمة ودعم واشنطن لقوى الثورة المضادة داخل الدول التي وصل اليها اليسار الى السلطة عبر صناديق الاقتراع، فضلاً «سذاجة» او طوباويّة الشعارات التي رفعها ذلك اليسار الثوري التوّاق لتحرير بلاده من الهيمنة الأميركية وشركاتها عابرة القارة، اسهم في إفشال او تعثّر التجربة، على نحو تقدّمت فيه قوى الثورة المضادة في اكثر من دولة لاتينية، لعل الازمة الفنزويلية الراهنة أبرز دليل على ذلك.
قد يُعزّي بعض العرب أنفسهم بان «نتانياهو» تلقى صفعة مدوية عندما تم تأجيل (وليس «إلغاء» كما حاولت بعض وسائل الإعلام العربية الترويج لذلك) القمة الافريقية – الاسرائيلية، التي كان من المقرّر ان تستضيفها جمهورية توغو الافريقية الشهر القريب، الا ان ذلك (بافتراض عدم إنعقاد تلك القمة)، لا يلغي حقيقة ان الجهد الذي بذلته بعض الانظمة العربية وهي اقل من عدد اصابع اليد الواحدة، لا يساوي في اهميته وثِقله وتأثيره، الدور الذي لعبته دولة جنوب افريقيا، التي اخذت على عاتقها مهمة إفشال هذه القمة، ليس فقط في إعلان انها ستُقاطِع هذه القمة، بل وايضا مارست ضغوطاً هائلة على الدولة المُضيفة وتلك التي ابدت استعداداً لحضور القمة المقترَحة (عددها 20دولة) الى ان رضخ رئيس توغو، طالِبا من نتانياهو «تأجيلها» لأن نجاح القمة – في رأيِه – يتطلب إعداداً جدِّياً وواسعاً لها».
نتانياهو الذي لا يتوقف عن التأكيد على وجود تطور كبير في العلاقات مع الدول «العربية المعتدِلة» واصفا الوضع الحالي بانه «غير مسبوق» واكبر من اي وقت مضى. يواصِل تعزيز مكانة اسرائيل، ولا يتردد في اعتبار انجازاته مثابة الدليل على ان حلّ القضية الفلسطينية ليس شرطاً عربيا مُسبَقا، سيخطب بعد ايام في الأمم المتحدة ويحظى بالتصفيق وقوفاً في الجمعية العامة، فيما العرب غارقون في دمائهم وفرِحون بفشلِهم ويواصِلون بِحماسة حروب الثأر وتصفية الحسابات والأحقاد «الشخصية»بينهم.وأمجاد يا عرب..
الراي 2017-09-13