غيُّر صورة المقاتل الفلسطيني، وأدواره..!
تناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعية ومنافذ أخبار فلسطينية في الأيام الأخيرة شريط فيديو، كتب ناشروه شرحه على النحو التالي: "عناصر من أمن السلطة تقتحم منزل الأسيرين حاتم وحازم القواسمة بالخليل وتعتدي على النساء".
يصور الفيديو مجموعة من رجال الشرطة الفلسطينية، بخوذ وأزياء مكافحة الشغب المخيفة المعروفة، وهم يشتبكون مع نساء في منزل، يصرخن ويهددنهم بتصويرهم، ويدافعنَ بعصيِّ مكانس. ولا يكشف الصراخ المختلط في الفيديو عن شيء يمكن فهمه، سوى احتجاج النساء على رجل الأمن الذي "يمدُّ يده" على النساء، وسؤالهن عما إذا كان يهودياً. ولا يوجد نص غير الشرح المذكور يُبيّن سبب اقتحام بيت الأسيرين على هذا النحو. ولذلك، لا يجوز أخذ محتوى الفيديو مجتزَءاً من سياقه. ربما تكون هناك أسباب للتفسير، إذا كان ثمة تفسير.
لكنَّ الأكيد المُلفت في الفيديو، هو صورة رجال الأمن الفلسطينيين في أزياء قوات مكافحة الشغب: في الخوَذ المزودة بواقيات الأعين الشبكية، والنظارات السوداء، والهراوات والبساطير. ولعل أكثر صورة لا يحبها المواطن العربي –ناهيك عن الفلسطيني- هي صورة جماعة قوات الشغب هذه باستعمالاتها المعروفة. والفلسطينيون بالتحديد هم الأكثر نفوراً من هذه القوات، سواء كانت من جنود الاحتلال، أو من الآخرين في المنافي الكثيرة. أما أن تكون هناك قوات مكافحة شغب فلسطينية، تعمل على الفلسطينيين، في وطن محتل، فشيء يصعُب فهمه!
يُمكن تفهم وجود رجال شرطة فلسطينيين في مناطق "السلطة"، مع كل الأسئلة عن أدوار وتكوينات هذه السلطة. ويكون عمل هؤلاء حفظ الأمن في المناطق التي لا تعمل فيها شرطة الاحتلال –وليس هناك مثل هذه الأماكن فعلياً- بمعنى، مطاردة لص، واعتقال مشارك في مشاجرة أو حادثة قتل، أو معتدٍ خارجي على أمن الوطن، أو جاسوس مؤكد يتعاون مع العدو ضد وطنه ومواطنيه، نقطة. ولا يحتاج هكذا عمل إلى غير زي الشرطة العادي.
ولكن، ما عمل قوات مكافحة شغب فلسطينية بمظهرها القاسي؟ ما شغب الفلسطيني في الوطن المحتل؟ إنه لا يعتدي على أحد مسالِم، ولا يحطم ممتلكات أحد، ولا يهدد استقراراً تديمه حكومة وطنية منتخبة في وطن حر، ولا يُدمر مقدّرات وطنه وثرواته. شغب الفلسطيني هو رفع صوته بطلب الحرية والحياة والوطن. والمستهدف بـ"الشغب" هو الاحتلال الوحشي، أو الاحتجاج على أسباب وأدوات تطيل أمد الاحتلال الوحشي أو تخنق رغبة الفلسطيني في المقاومة والحياة. وما ينبغي أن يكون في فلسطين -الأسيرة أو الحرُّة إن شاء الله- قوات مكافحة شغب.
في أذهاننا بقية فقط من صورة المقاتل الفلسطيني القديم، بملابس "الفوتيك" البسيطة دون شارات وأوسمة وملحقات –ربما فقط كوفية على الكتف أو قبعة بسيطة، وحذاء عسكري من الكتان، ومسدس أو بندقية خفيفة. ونتذكر هذا المقاتل في صورة ابن "أم سعد" –ابن المخيم المسحوق في رواية غسان كنفاني؛ أو هو ببساطة، على هيئة جيفارا.
ذهب ذلك المقاتل الفلسطيني البسيط، المحقّ والفدائي. وحل محله أولاً الفتى الفلسطيني الذي يواجه الدبابة بالحجر، ثم أصبح هذا المقاوم الجذاب هدفاً إما لرجل "مكافحة الشغب" في مناطق السلطة، أو الآخر المدجج بكل أنواع الأسلحة والعُدة العسكرية وعصابة الرأس وقاذفات الصواريخ وغطاء الوجه في غزة. كيفَ يُعرض المقاوم الفلسطيني أمام العالم في شكل الجندي المحترف المخيف الذي يتوشح بعُدة عسكرية أقوى وأفخم من جندي الاحتلال أو جندي المارينز؟ هل هو إلقاء الرعب في قلوب العدو؟ ربما يتحقق ذلك بالعمل أفضل من الاعتماد على المظهر الذي يُفهم العالَم أن للفلسطينيين جيشا مخيفا. والنتيجة دائماً هي تشويه الصورة الحقيقية للمقاوِم الفلسطيني. المقاوِم الفلسطيني الفقير، المقهور الذي لا يُسنده أحد.
المقاتل الفلسطيني يمتلك بالكاد من مظاهر الترف المادي والعسكري أكثر من "الفوتيك" وحذاء الكتّان الخفيف. وهو يتسلّح بعدالة القضية والحق في حصته الطبيعة من الحياة المتاحة للآخرين، ولذلك يقف بلا خوف أمام العدو المدجج بعتاده البسيط وقلبه. هذه حقيقة المقاتل الفلسطيني وصورته. ليس شرطي "مكافحة شغب" يستأسد على شعبه المقموع أصلاً ويُخمد مقاومته، ولا جُندياً نظامياً مرعب الهيئة مدججاً حتى الأسنان بالأسلحة المتطورة وعدة الحرب الأسطورية. ودوره: ليس الدفاع عن نظام، وإنما تحرير فلسطين. لكنهم غيروا صورة الفدائي الفلسطيني النظيف، وأدواره!
الغد 2017-09-28