قراءة سياسية لرواية محمد أزوقة «والشتاء يلد الربيع»
نعاني من شح في المذكرات والروايات التي تتناول الحياة السياسية الأردنية المعاصرة. وانني اعتبر رواية محمد أزوقة «والشتاء يلد الربيع» التي بين ايدي القراء، إحدى الروايات السياسية الامينة البعيدة عن الديماغوجيا والتنظير والانحياز والاتهام. انها رواية تملأ بعض الفراغ.
يمكن القول إنها الرواية - السجل التي حاول كاتبها التوثيق لحقبة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات ورصدها، بما فيها من احداث وعواصف ونكبات ونكسات وتحولات، اصابت الأمة واسلمتها الى ظروف الانهيار الراهنة.
ولأنها تسجل تلك الحقبة وترصدها فهي «لقية» لثلاثة أجيال من أبنائنا علاوة على انها إحياءٌ وإنعاشٌ لذاكرة الأجيال التي عاشت حقبة الثلاثين عام التي يرصدها ازوقة.
واذا كان لنا ان نَسْتكنِهَ شخصية الروائي فاننا نلاحظ منسوب النزاهة الفائق، الذي عبر عن نفسه، بعدم الانحياز لوجهة نظره في الاحداث السياسية وفي الحوارات العاصفة، التي جعلها بين شخصين لعرض اكثر من وجهة نظر. علاوة على الوعي الوفير والحكمة والتحليل الأمين المنصف، لكثير من الفجائع والوقائع التي تبرهن الأيام على صحتها.
لقد عاصر أبناء جيلي او عاشوا، ما ورد في الرواية من احداث سياسية وعسكرية، محلية او قومية او إقليمية. عاشوها مراقبين او مشاركين، وان أبناء جيلي سيلمسون حجم الصدق والموضوعية والوطنية والقومية والتقدمية في تناول تلك المحطات من تاريحنا السياسي المعاصر.
عاصرنا -تقريبا- المظاهرات العاصفة ضد الأحلاف العسكرية الأجنبية. والمظاهرات المساندة لقرار الملك الحسين بتعريب قيادة الجيش. وقرار جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس وبناء السد العالي. وعشنا انبثاق فجر الوحدة العربية بين مصر وسوريا. وفجر الاتحاد الهاشمي بين الأردن والعراق. والانزال الأمريكي في لبنان. وجريمة الانفصال والانقلاب الوحشي في العراق.
عشنا اغتيال هزاع المجالي وإعلان ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية وهزيمة حزيران ومأثرة الكرامة واحداث أيلول وغزو القوات السورية شمال الأردن واحداث احراش جرش وعجلون واغتيال وصفي التل وحرب تشرين وتهديد دمشق وثغرة الدفرسوار والحرب الاهلية اللبنانية ومجزرة تل الزعتر وكامب ديفيد وسقوط شاه ايران وانتصار الخميني والحرب العراقية الإيرانية واغتيال السادات واجتياح بيروت... الخ.
وصدق كاتب الرواية الذي يجسد الواقع، في انصاف النساء الاردنيات وتبجيل ادوارهن السياسية الوطنية، فقد كانت الطالبات والنساء يشاركن في المظاهرات، ويقمن بدورهن الوطني الجليل، على قدم المساواة مع الطلاب والرجال. وسأظل اذكر الرسالة التحريضية الحماسية الجميلة التي وصلتنا من طالبات مدرسة المفرق الثانوية، لحثنا على التظاهر ضد العدوان الإسرائيلي على بلدة السموع بمحافظة الخليل.
جاء في تلك الرسالة: «غدا في ساحات الوغى، منكم الشهداء والجرحى، ومنا الممرضات اللواتي يضمدن جراحكم».
وتناولت الرواية النضال الوطني الصلب، من اجل الحريات العامة والعدالة الاجتماعية، والتضحيات الجسورة ضد الاحكام العرفية التي بذلتها الحركة الوطنية الأردنية في الضفتين وبمختلف اتجاهاتها من اجل اردن وطني ديمقراطي.
لقد كان المعارضون نجوم تلك الأيام، وكانوا فرسان أحلام الفتيات، كما هو حال بطلي الرواية هشام ونجود. لقد اتى الكاتب على ذكر يعقوب زيادين، البدوي الشرق اردني المسيحي، الذي نجح نائبا للبرلمان عن القدس، عاصمة الإسلام الثانية، في مأثرة برهنت على انتفاء أية غرائز إقليمية او طائفية في ذلك الزمان.
تناولت الرواية التحولات العميقة، التي خلّفتها هزيمة حزيران على الوعي العربي، وعلى المسارات العميقة للامة، والدعوة الى نقل الصراع من التيار القومي الى التيار الديني الذي أخذ عوده يشتد واخذت دعوته تلاقي التأييد بعد انتصار الخمينية وعزل الشاه ورفع الشعارات الدينية مقابل الشعارات القومية.
سلّط الروائي محمد ازوقه في روايته هذه ضوءا كافيا على ابرز أسباب الهزائم والانكسارات والخيبات في وطننا العربي، وأمها انعدام الديمقراطية وانتهاك الحريات والتنكيل والفساد وقمع الرأي الاخر في الأنظمة السياسية العربية كافة، بالإضافة الى المؤامرات الخارجية الغرب - صهيونية.
وتحفل الرواية، التي أرى انها احدى روايات الأردن السياسية البارزة، باحداث كثيرة وبقصص حب رومانسية عذبة جميلة، بالرغم من الميلودراما والفانتازيا التي تخالطها أحيانا.
الدستور 2017-09-29