عامان على.. «عاصفة السوخوي»
في الثلاثين من ايلول 2015 هبّت عاصفة عاتية، صدمت شدّتها وتوقيتها وخصوصاً مفاجأتها عواصم إقليمية وخصوصاً دولية في مقدمتها إدارة اوباما المُراوِغة، كذلك تنظيمات ودوائر استخبارية عريقة ذات باع طويل وتاريخ حافل بالمؤامرات والتخطيط العدواني وكشف الاسرار وانتهاك سيادة الدول وغيرها من الإرتكابات والاساطير التي اخترعتها آلة الدعاية وترسانة التضليل، وما لبثت (العاصفة) ان تحوّلت الى إعصار جرف في طريقه واطاح كُل الخطط والمشروعات وخصوصاً الأوهام التي بنى عليها تحالف الأشرار (إقرأ الاغبياء) سيناريو اسقاط الدولة السورية بما هي سوريا قلب العروبة النابض، رامَ من وراء ذلك الإجهاز على ما تبقّى من «عروبة» وتحويل ما كان ذات يوم يُدعى «الوطن العربي» الى ركام وخليط من الإمارات الظلاميّة والكانتونات التي ترفع رايات الطائفية والمذهبية والقِسمة العِرقية، التي ظنّوا انها كفيلة بطي صفحة الكيانات التي انتجها توافق الامبراطوريتين الإستعماريتين الاسوأ في التاريخ، البريطانية وخصوصاً الفرنسية، لإنتاج نسخة مَزيدة ومُنقّحة من سايكس بيكو، في ضوء ما طرأ واستجدّ من حقائق سياسية وبروز كيانات اخرى بات المستعمرون القدامى والجدد يرون ان بعضها استنفد دوره ووقته، وآخر بات «السماح» باستمراره يشكل خطراً على مصالحه والكيانات المصطنعة التي تدور في فلكه.
قلبت عاصفة السوخوي المشهدين الاقليمي والدولي وذرّرت اوراق العواصم المنخرطة في مؤامرة الاجهاز على دولة يمنحها موقعها الجيوسياسي دوراً كبيراً في تقرير مصائر المنطقة بأسرها، كما نجحت موسكو في فرض جدول أعمال جديد للمنطقة ولما توصف عادة بعواصم القرار الدولي، التي لم تربكها العاصفة الروسية التي تحولت اعصاراً فحسب، بل واجبرتها على إعادة النظر بالاستراتيجيات التي ظنّت ان بمقدورها استيلاد شرق اوسط جديد ومختلِف، يقود فيه الاسرائيليون المنطقة العربية ويحددون مواقيتها ومصائرها وادوارها، وبخاصة في تصفية القضية الفلسطينية ووضع قيادات كرتونية ترطن بشعارات الديمقراطية والحرية والانتماء للعالم المتنوّر.
ليس في الإضاءة على ما حدث منذ عامين تماماً، رغبة في قَرْض الشعر او استدراج تصفيق على طريقة ثوار الفنادق والمرتزقة، الذين حفلت بهم منصات ميادين وشوارع رئيسة في اكثر من عاصمة عربية, نجح المستعمرون واعوانهم في الداخل في إشعال ثورات ملوّنة على الطريقة التي انتهجوها في دول اوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك حلف وارسو, بل هي دعوة للتدقيق في ما اعقب هبوب عاصفة السوخوي (التي تحولت اعصاراً سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً على المستويين الاقليمي والدولي) والتهديدات الحماسية الفارغة المضمون والعاجزة عن ترجمة كل ما استخرجوه من جعبهم الصدِئة ,عندما اطمأنوا الى قراءاتهم الساذجة والضحلة وقالوا ان روسيا (غير السوفياتية وغير الشيوعية) قد ورّطت نفسها في افغانستان «ثانية» وان الثوار والمجاهدين واحفاد الارهابيين السابقين ومرتزقتهم, سيُلقِّنون موسكو الجديدة درساً لن تنساه وغيرها من الأوصاف التي شاركتهم فيها عواصم اقليمية وخصوصاً عربية, وقعت هي الاخرى في وهم سنوات الثمانينات عندما سيّرت كتائب الارهابيين وصنفتهم مجاهدين في سبيل «الاسلام» لدحر الشيوعية وحماية افغانستان التي ستكون عاصمتها كابول الطريق المعبّد لتحرير فلسطين وغيرها من عواصم الاسلام المهدَّدة.
باقي ما حدث طوال الاربعة وعشرين شهراً الماضية بات مكتوباً على الجدار الاقليمي بأبعاده الدولية, ومعادلات الاصطفافات والتحالفات التي اندثر معظمها على وقع صمود الشعب والدولة وخصوصاً الجيش السوري, وعلى ما كرّسه الاصدقاء والحلفاء الروس في الميدان السوري, وكيف نجحوا في اجبار الكبار – قبل الصغار – على التسليم بأن العصر الصهيواميركي ليس قدراً للمنطقة العربية, وان إشاعة الفوضى في المنطقة وعلى تخومها وعلى نحو يهدّد المصالح والحدود ويعبّد الطريق الى الفوضى والخضوع للارهاب ليس فقط غير مقبول, بل إن مقاومته وإفشاله وإحباطه وخصوصاً دحره ليس خياراً بل ضرورة, مهما كانت الأكلاف واتّسعت المخاطِر التي هي محسوبة بدقة في اروقة الكرملين, فيما كان هناك بالمُقابِل املاءات وأوامر اميركية بريطانية ,فرنسية على عواصم اقليمية وخصوصاً عربية, كي توظِّف كل ما ملكت ايديها وتوفرت عليه من أموال وأجهزة إستخبارية وعملاء لإشاعة الفوضى وتكريس التقسيم والفرقة في سوريا وليبيا والعراق واليمن, ولا مانع إذا ما اضيفَت مصر الى القائمة واستُدرِجَت عواصم أخرى ما تزال ترطن بـ»العربية» لِلإلتحاق بتجمعات وأحلاف جديدة تقطع نهائياً مع الانتماء العربي بابعاده القومية والتاريخية والثقافية وتؤسس لِهوية اخرى... مُلتبِسة وحمّالة اوجه.
(سوريا في طريقها الى التعافي و»الشروط اللازمة» لإنهاء حرب الاخوة فيها (على ما قال الرئيس الروسي بوتين في انقرة قبل يومين) وإلحاق الهزيمة النهائية بالارهابيين وعودة السوريين الى حياة آمنة والى ديارهم)، هذا ضمن امور اخرى، ما انجزته عاصفة السوخوي التي هبّت قبل عامين، وكل السيناريوهات التي توّهم واضعوها، بان لديهم القدرة والإمكانات على تنفيذها، تحطّمت وتحولت هزائم موصوفة تُلاحق تاريخهم الاسود.
• إستدراك: يَنقُل الكاتب والصحفي الناصِري المصري عبدالله السناوي، في كتابه الذي صدر للتَّو تحت عنوان «احاديث برقاش: هيكل بلا حدود» عن الراحل محمد حسنين هيكل، انه (هيكل) ذات مرة استمع من الرئيس العراقي السابق جلال طالباني وعلاقاتهما قديمة، انه قال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إننا لا نضع البيض في سلة واحدة.. علّق بوتين: فيما يتعلق بي فإنني اضع البيض كله في سلة واحدة، لكنني لا اوزع بيضاً». (ص169).
هكذا يقرأ زعيم بحجم ومكانة ودور بوتين الأمن القومي لبلاده. فكيف يقرأ الذين يُوزعون «بيضهم» أو ما تبقّى منه في كل اتجاه.. ومجاناً،.... الأمن القومي العربي؟
الراي 2017-10-01