هويات فولكلورية !!
لم يكن هاجس الهوية ذات يوم كما هو الآن، وما صدر من كتب عن الهويات على اختلافها يصنّفها في خانات، فمنها الجريحة النازفة والخانقة والقاتلة والمبتورة والفائضة، لكن هناك هويات لم يكتب عنها بعد، وهي التي تستبدل الوطن بالفلكلور، وتحوله الى ايقونات وتقنيات رمزية تستخدم في المناسبات،
والهوية الفلكلورية قد تشمل طعاما او ملبسا او طقوسا اجتماعية يتم التعبير عنها في الاعراس والمآتم، وبالتالي تصبح هذه الهوية كمالية ومن الإكسسوارات، وبالتدريج تفرغ تماما من محتواها، والفلكلور بكل مظاهره قد يكون استكمالا لهوية او من ضواحيها الرمزية لكنه ليس بديلا عنها الا في الحالات التي يتقمص فيها الانسان هوية اخرى ويحاول التأقلم معها حماية لمصالحه او رغبة منه في الاندماج في مجتمعات تعاني من عسر هضم ديموغرفي، نعرف مثلا ان اليهود اضطروا الى تغيير اسمائهم التقليدية في فترات معينة من التاريخ، وحاولوا قدر المستطاع التماهي مع الشعوب التي عاشوا بينها لكن ضمن جيتوهات لغوية وايديولوجية، لكن ما ان اصبح لهم دولة حتى عادوا الى الاسماء التقليدية وبافراط تعويضي !
خطورة الهوية الفولكلورية انها تسترضي الذات لبعض الوقت، وتقدم اشباعا ثقافيا وتاريخيا كاذبا لجوع وطني وقومي مزمن! اما عناصر الهوية ومقوماتها التي تنصهر معا في كيمياء تاريخية ونفسية ليست ملقاة على الارصفة او يمكن شراؤها او استعارتها، ونذكر جميعا تلك الاغنية العراقية الشجية التي تقول: من اضاع ذهبا سيجده ذات يوم ومن اضاع حبيبا قد يلتقيه ولو بعد حين لكن من اضاع وطنا لن يعثر عليه مرة اخرى على الاطلاق الا اذا قرر التضحية بكل شي من اجله.
والهويات الفلكلورية قد تخدع النفس والاخرين لبعض الوقت، لكنها سرعان ما تطوى وتُنسى تماما كالثياب والطعام والطقوس الاجتماعية الموسمية!
والهاربون من سؤال الهوية يبتكرون من الاوهام اجنحة من شمع ما ان تشرق عليها الشمس حتى تذوب، والهوية كالهواء لا نشعر بفقدانهما الا عندما يغيبان اما الهوية الفلكلورية فهي تنفس صناعي وساقان من خشب!
الدستور 2017-10-01