مكاتب سياحة: المتاعب في حقيبة السفر..!
من حيث المبدأ، تقدم الرحلات التي تَعرضها مكاتب سياحية فرصة جذابة للمواطن الذي يريد قضاء إجازة للاستجمام وتغيير الأجواء. وعادة ما يكون زبائن هذه المكاتب من غير المقتدرين مادياً، الذين يبحثون عن القيام برحلة بأقل كلفة ممكنة. كما أن غير المعتادين على السفر ويَجهلون مفاجآته، يرغبون أن يساعدهم مكتب خبير من وطنهم، يرتب لهم التأشيرات –إن وجدت- والحجز الفندقي وزيارة الأماكن المناسبة في البلد الغريب.
لكن قدراً ليس قليلاً من هذه المكاتب يكتسب سمعة سيئة بجملة من التصرفات المتكررة التي تنفّر الزبائن وتنغصّ الرحلات. وللأسف، ينسجم عمل هذه الفئة مع نمط شائع لدينا من الغش وغياب الصدق عن التعامل، والذي يُفترض أن يؤدي إلى إفلاس المشاريع بانصراف العملاء. لكن الغريب أن هذه الفئة تجد دائماً ضحاياً جُدداً وتستمر في العمل وجني الأرباح الحرام. ويتحمّل سلوكنا الاجتماعي جزءاً من المسؤولية عن مساعدة استمرار الأعمال غير الشريفة، لأن الناس لا يتعلمون، ويعودون. وعلى المستوى النظري، يُفترض أن يُمنى كل عمل سيئ الأداء بالإفلاس والخسارة بفقدان الزبائن –أو يعتدل- لا أن يزدهر ويجد إغواء في مواصلة الغش والربح السهل، لأن المخدوعين يعودون، ببساطة.
في تجربة اطلعتُ على تفاصيلها مع أحد المكاتب السياحية المحلية، لم يعرف المسافرون موعد انطلاق الطائرة إلى بلد الوجهة إلا في الساعات الأخيرة. وفي المطار، اكتشفوا أن آخرين من رحلة آخرى كان ينبغي أن تنطلق قبل أربع ساعات قد انضموا إليهم، بعد أن أخّرهم المكتب نفسه وأجبرهم على انتظار الرحلة التالية في المطار.
في بلد الوجهة، تبيّن أن الفندق الذي سوّقه المكتب على أنه فاخر، ليس كذلك. بل إن الحافلات التي تأتي لنقل النزلاء إلى وجهات السياحة لا تستطيع أن تصله، بحيث يضطر الناس إلى قطع مسافة جيدة سيراً على الأقدام، وفيهم العجوز والمريض. كما أن كادر الفندق لا يخدم مجموعة سياح المكتب كما يجب –ربما بسبب رخص الأسعار التي لا بد أن المكتب يستفيد من فرقها.
بطبيعة الحال، غالباً ما يتضمن العرض رحلة واحدة فقط على حساب المكتب في البلد المقصود، وغالباً ما تكون هذه الرحلة قريبة، قصيرة، بلا طعام وكأنها مجرد رفع عتب. أما بقية الرحلات فيتولى ترتيبها "مندوبو المكتب". لكنّ هؤلاء، بدل أن يساعدوا الزبون على النجاة من الخداع في البلد الغريب، يكونون أول من يخدعه. وقد فهمت أن هؤلاء "المندوبين" يأخذون الزوار إلى أماكن أو مصانع تتقاضى أسعاراً أعلى من السوق، ويزودها المندوب بالزبائن لتستغل جهلهم بالأسعار، لقاء عمولات عن كل فوج سياحي يجلبه. ويكتشف الزائر أنه لو رتب الرحلة بنفسه لكانت أقل كلفة من الرحلة مع المجموعة التي يُفترض أن تستفيد من العروض التي تقدم للمجموعات.
عند العودة، وفي مساء اليوم قبل الأخير، غيّر المكتب فجأة موعد رحلة الطائرة من مساء اليوم التالي إلى الصباح. واضطرت المجموعة إلى الهرولة في اللحظات الأخيرة إلى الأسواق لشراء الأشياء المؤجلة، ودفع نقود أكثر والقبول بجودة أقل بسبب ضيق الوقت والخيارات. يضاف إلى ذلك الإرباك وتخريب الخطط المُعدّة لليوم التالي، سواء للسائح أو لأهله الذين يستقبلونه في مطار الوطن. وحتى في يوم العودة بعد الذهاب إلى المطار في الرابعة فجراً، تغير موعد الرحلة مراراً، من السابعة والنصف صباحاً، إلى الثامنة والنصف ثم التاسعة والربع، مع ما يعنيه ذلك من زيادة الارتباك.
وفي النهاية، وجد المرتحلون أن الرحلة المعروضة على أنها سبعة أيام وست ليال، أصبحت خمسة أيام وست ليال فقط. اليوم الأول ضاع لأن المغادرة كانت في المساء ووصل الناس فندق الوجهة في منتصف الليل؛ واليوم الأخير ضاع أيضاً، لأن رحلة العودة التي يُفترض أن تكون في المساء، انزلقت إلى الصباح. وهكذا، سرَق المكتبُ يومين كاملين جهاراً نهاراً من رحلة الزبون.
هذه المنغصات غيض من فيض الشكاوى من مكاتب السياحة، وكأن قدر الناس أن تصحبهم المتاعب في الإجازات، وأن يضعها لهم المكتب في حقيبة السفر. وفي النهاية، يواصل الغشاشون العمل كالمعتاد، واثقين من الإفلات بالمخالفات، ما دام الزبائن يأتون، وجماعة الرقابة يتغافلون!
الغد2017-10-01