عندما تبيع أمريكا حلفاءها : استفتاء كردستان مثلا
إذا كان جاك شومر ، زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ضغط بكل قواه من أجل اعتراف ترامب باستقلال كردستان ، أو التمهيد لهذا الإعتراف ، فإن رد الخارجية المتحالفة مع البنتاجون في هذه القضية لم يتأخر ، حينما رفضت الإستفتاء واستقلال الأكراد وأكدت على وحدة أراضي العراق .
ولمن لا يعرف شومر هذا ، فإنه من أبرز أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة ، غير أن مكانته التشريعية وعلاقاته المتلاحمة مع اللوبي الصهيوني لم تحقق هدف الأكراد الذين راهنوا كما يبدو على حصان خاسر ، بعد أن استيقنت الخارجية وحليفتها ومن وراءهما بأن الأمر " في هذا الظرف " يتعلق بمصالح الولايات المتحدة العليا والأمن القومي الأمريكي .
واشنطن التي يحتل مقعد رئاستها البيضاوي رجل أعمال من أشد مناصري الكيان العبري في تاريخ الولايات المتحدة لم تستطع المضي قدما في وعدها الضمني للأكراد بتأييد استقلالهم ، كما لم يستطع من قبل نقل سفارته إلى القدس ، ولقد أثبت إعلان تيرلسون لموقفه الرسمي : ( لا نعترف بخطوة أحادية الجانب ) بأن المصالح العليا الأمريكية يدير شؤونها مؤسسات "عميقة " رأت أن الإعتراف بالإستفتاء له ثمن خطير على مصالح أمريكا في هذه الظروف الإقليمة والدولية المعقدة ، وهذا أمر يؤكد مرة أخرى بأن الولايات المتحدة دولة لا يمكن التعويل عليها ، أو على جهة تنفيذية فيها حتى لو كان الرئيس نفسه ، ولنا في القناة السرية المفتوحة مع بيونع يانغ والتي كشف عنها السبت خير مثال رغم لعلعات ترامب وعنترياته الفارغة .
استفتاء الأكراد الذي قد تكون له تداعيات خطيرة على المنطقة من خلال إحياء القوميات والطوائف ونزعة استقلالها لن ينتج دولة مستقلة لأسباب كثيرة ، رغم نظرية تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ الأمريكية وما اشتهر بـ " الفوضى الخلاقة" التي اطلقتها كونداليزا رايس وأشباهها من المسيحيين الجدد ، منها : أن الإقليم محاط بدول ترفض استقلاله ، وهذه الدول فيها مكونات اثنية ،ومنها كردية بالطبع ، قد تنزع نحو الإستقلال هي الأخرى ، وهو أمر لا ترضاه لا تركيا ولا إيران ولا العراق ولا حتى سوريا بنظامها الحالي ، بالإضافة إلى أن هذه الدول وغيرها ترى بأن دولة كردية مستقلة في الإقليم يعني إسرائيل أخرى تنحصر مهمتها في نكء الجراح ، وتوليد الأزمات ، وبالتالي تسليط الضوء على قضايا أخرى غير القضية الفلسطينية ولعقود وربما أحقاب قادمة ، مما يعد مصلحة استراتيجية إسرائيلية ، وهذا هو السبب الحقيقي لتأييد إسرائيل استقلال الإقليم ، علما بأن هناك 150 ألف كردي يهودي يعيشون في الكيان العبري ، وقد شاهدنا بعض هؤلاء مع أصدقائهم من الكرد المسلمين وهم يتمسحون بالعلم الصهيوني ويتمرغون على نجمة داوود .
إن موقف الولايات المتحدة المتماهي مع الأكراد عاطفيا اصطدم بمخاطر كبيرة ،لأن من شأن استمرار الإقليم في إصراره على نتائج الإستفتاء والإستقلال أن يضرب المشاريع الأمريكية في الصميم وخاصة محاربة تنظيم داعش " والتحالف مع حكومة بغداد " حزب الدعوة الأيراني " ، وفي نفس الوقت فإنه يزيد من شوكة إيران التي تمتلك الحشد الشعبي المعول عليه - إيرانيا - في التصدي للبشمركة المدعومة أمريكا وهو ما لوحت به فعلا ، مما يخلق حالة من التماس الخطير غير المرغوب فيه بين الأيرانيين والأمريكيين والعراقيين بسبب المصالح القومية المتناقضة رغم الحلف الوثيق سواء المخفي منه أم المعلن ، وقد يتسبب بطلاق بائن بين الأتراك والولايات المتحدة ،وهذه نهايات غير سعيدة لواشنطن وغير مستبعدة للجميع إذا لم تنجح وساطة الرئيس الفرنسي أو مبادرة إياد علاوي ذات الست نقاط أو غيرهما في حلحلة العقد المتراكبة والمتراكمة على خيط الإستفتاء الرفيع والهش ، وهو خيط كردي - عربي - شيعي - سني - تركماني لا يعرف أحد بعد هل هو أبيض أم أسود أم كلاهما معا !.
د.فطين البداد
جي بي سي نيوز 2017-10-01