عكاز وحفيد
سيبتهج الكثير من الناس بالتصنيف الجديد الذي قدمته منظمة الصحة العالمية لمراحل عمر الإنسان. ليس لأنه رفع سن المراهقة إلى 25 سنة، ولا لأنه مدد فئة الشباب حتى 65. بل تأتي جذور البهجة إلى الشطح بفئة كبار السن إلى فوق الثمانين، رغم أن كلمتي (يا عمو، حجي) تصرفا لك في لثغة الثلاثين.
لن نتوقف عند هذا التصنيف، ولن نعود إلى ما قاله شاعرنا الكبير زهير بن ابي سلمى بعد أن سئم تصاريف الحياة ببلوغه الثمانين. بل سأتوقف لأستعيد موقفاً طريفاً لأطفال دور الأيتام في مدينة هندية كان باستطاعتهم أن يتبنوا جدوداً لهم من أي دار كبار السن، لخلق شعور بالاشتياق والحنين، لدى هؤلاء المبعدين عن عائلاتهم، أو الذين ليس لهم عائلات.
كانت شعوب (المايا) التي استوطنت القارة الأمريكية الجنوبية تسمِّي الأشياء بأسمائها الحقيقية، دون مواربة أو ختل أو تورية، فقد كانوا يقولون عن البحر: السماء السفلى، والمرأة أم الرجل، وأما الحفيد فيسمونه: فهو عكاز.
من قبل التصنيفات المثيرة خصص العالم يوما للتذكير بكبار السن، فنسبهم بدأت بالتزايد مع تحسن الظروف الصحية، وارتفاع معدلات الأعمار، ولكني أشعر أن هذا العالم لا يخصص يوماً لشيء ما، إلا كان هذا الشيء يعاني أزمة حادة، فالأوزون له يوم؛ لأن ثقبه يستعصي على الرتق، وها هم جعلوا لكبار السن يوما، لأنهم قد يعيشون شيخوخة باردة.
يوم المسن الذي صادف أمس، لا يعنينا من قريب أو بعيد؛ لأننا لا نترك آباءنا وأجدادنا يعانون بعيدا عن دفء الأسرة. وأتذكر جدي الذي كان ملجأنا المنيع، حتى وهو في شيخوخته التسعينية، إذا ما دهمنا خطر عقاب من أم أو أب، كيف نلوذ به فلا يجرؤ أحدٌ على النيل منا، ولهذا صرنا نضرب ونهرب، ونقترف الموبقات السبع، وإذا ما انكشف أمرنا لذنا به؛ فيتلقفنا بذراعيه بؤرة أمان.
وإذا كان الجد حضناً وحناناً خالصاً صافياً، فنحن كنا له أكثر من عكاز. الكل كان يستبق لخدمته، وتلبيه أوامره. فكلمته لا تكسر. وترانا دائما معه في مشاويره إلى السوق أو البستان، يتعكز علينا، ويستعين بعيوننا الصغيرة للتحقق عن فئات النقود المعروضة عليه، أو التي ينوي الشراء بها.
تتباين تصنيفات فئات عمر الإنسان، لكنها تأتلف في أن لكل مرحلة عمرية مذاقا خاصاً، لا يبتعد كثيرا عن العدالة في أسمى معانيها. فإن كنت عكازا لوالدك وجدك، فسترى أبناءك وأحفادك يملأون فضاءك حبا وسلاما وعكاكيز ودفئا لا يخبو.
الدستور 2017-10-02