المثقف الخائف!!
قد نجد عشرات وربما مئات التعريفات للمثقف بمختلف اللغات، وان كانت التعريفات الاكثر تداولا تنسب الى فلاسفة ومفكرين من طراز غرامشي وسارتر وادوارد سعيد وآخرين، ورغم وفرة ما كتب عن المثقف العربي بدءا من اغترابه كالبعير الاجرب في بلاده حتى النهايات غير السعيدة التي نعرفها للكثير من المثقفين، الا ان هناك ظاهرة بقيت في نطاق المسكوت عنه هي ما يلازمه من خوف مزمن، غالبا ما يكون غامضا، وربما لهذا السبب قال العرب عن المشتغل في هذا الحقل ادركته المهنة، اي اهلكته، فهو يخاف من سطوة الاعراف والتقاليد ويتجنب قدر المستطاع اعشاش الدبابير ومن دسّ اصابعه ولُدغ مرة وتلقّح ضد اعادة اللدغ !
وهو يخاف من الفقر والبطالة والمرض اكثر من الاخرين؛ لأنه يستغرق على امتداد عمره في البحث عن مصادر المعرفة، وقد لا يجد الوقت الكافي لحماية شيخوخته من المهانة!
اما الخوف الاكبر والاقدم فهو من خشية العقاب على ما يقترف من اختلاف، خصوصا اذا قدر له ان يقرأ مصائر المفكرين من اسلافه العرب والذين حاول هادي العلوي في كتابه عن تاريخ التعذيب ان يقدم عيّنات منهم!
والسؤال هو كيف يمكن لخائف ان يبدع وان يحرر اصابعه من الرعشة التي تجعل جملته احيانا مبتدأ بلا خبر؟
اما الخوف الجديد الذي طرأ في زمن القطعنة والامتثال فهو من الاشباه الذين يحلون مكانه كقطعة غيار صينية قصيرة العمر، فالبدائل الآن متوفرة لكل شيء ولكل شخص؛ لأن المجتمعات الهاربة من مشاكلها والمتواطئة ضد نفسها والغارقة في محاكاة غيرها لا تحتاج الى مثقف عضوي اصيل، لأنه يزعجها كما يزعج الطبيب مريضه اذا قال له الحقيقة، والمطلوب على ما يبدو جرعات تخدير وليس علاجا جذريا، لهذا فالمثقف يكتب وهو خائف، واقصى تكريم يحلم به هو ان يترك لحاله!!
الدستور 2017-10-03