اسـرائيل و كردستان وما بينهما!
الظروف الامنية والسياسية الهشة التي مر بها العراق خلال العقود الماضية، جعلت منه الحلقة الاضعف من بين الدول التي تضم الاقلية القومية الكردية، الامر الذي انشأ بيئة مناسبة للاختراق من قبل الدول التي ترى ان مصالحها تقتضي تفتيت النسيج الوطني للعراق كدولة وشعب، والمنطقة العربية عموما في شرق اوسط لم يستقر منذ الحرب العالمية الاولى، كما اعطت الاكراد جرأة المطالبة بالحكم الذاتي اولا، ثم رفع سقف مطالبهم الى الاستقلال، وهو مالم يحدث في دول الاقلية الكردية.
وبالطبع فقد كانت اسرائيل من اوائل الكيانات التي خططت لاستغلال هذه الظروف لتحقيق مصالح استراتيجية متنوعة الاهداف تمتد من الاقتصاد والسياسة، الى بناء تصور مستقبلي لامتداداتها الخارجية في اطار نزاعها مع العرب، ومن ثم مع دول اخرى مجاورة للمحيط العربي، وكان الاكراد هم الهدف والوسيله.
ويقول خبراء اسرائيليون ان علاقات اسرائيل مع اكراد العراق بدات في الخمسينيات من القرن الماضي، ولكنها اصبحت اكثر نشاطا وفعالية في الستينيات عندما كان الاكراد يقاتلون الجيش العراقي، إذ أقامت اسرائيل علاقات عسكرية متينة معهم على صعيد التدريب والامداد بالاسلحة المتنوعة والاستشارات العسكرية التي امتدت الى حين توقيع العراق عام خمسة وسبعين اتفاق الجزائر الشهير مع شاه ايران الذي كان ايضا يدعم التمرد الكردي، وقد استمرت العلاقة الاسرائيلية الكردية بعد ذلك بهدوء وتكتم وخاصة الاستخبارية منها، إذ يعد كردستان العراق إحدى ساحات العمل النشط للمخابرات الاسرائيلية بعد ان استثمرت اسرائيل هذه العلاقة مع العناصر الكردية، على قاعدة ان الاكراد يُعتبرون من بين حلفائها من غير العرب في المنطقة.
ووفقا لصحف اسرائيلية، فان اسرائيل كانت تستهدف من هذه العلاقة منذ الستينيات تكوين ما تسميه “ تحالف الاقليات “في منطقة الشرق الاوسط، ومن بينهم اليهود والاكراد، لمواجهة الاغلبية العربية، إذ إن وجود دولة كردية في العراق سيكون نواة لدولة كردية اكبر يمكن ان تضم ايضا اكراد ايران وتركيا وسوريا، وستكون بالطبع حليفة لها.
وفي اطار الاستراتيجية نفسها يقول خبير اسرائيلي: ان العلاقة الاسرائيلية الكردية نشأت في اطار “عقيدة الاطراف “ التي طورتها اسرائيل في الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت تقضي باقامة علاقة مع دول ولاعبين غير عرب من اجل الخروج من عزلتها في المنطقة، وكانت الاقلية الكردية احد هؤلاء اللاعبين.
وتضع اسرائيل الاكراد ضمن معادلة المواجهة المخابراتية مع العراق وايران وتركيا، إذ إن اسرائيل تعتبر نحو ثلاثين مليون كردي في الدول المحيطة بالعراق رديفا استراتيجيا لها للتمدد في المنطقة، ومصدرا استخباريا مهما نظرا لقرب المنطقة الكردية من ايران وتركيا، الامر الذي يسهل مسالة نصب اجهزة تنصت واستكشاف وربما قواعد جوية سرية مؤهلة لاستخدامها عند الحاجة، وقد استفادت اسرائيل كثيرا من علاقتها بالاكراد وخاصة في المسائل الاستخباريه. ويقول تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية، ان اكراد العراق لعبوا دورا رئيسا في امداد الولايات المتحدة بالمعلومات الاستخبارية عبر اسرائيل قبيل الاجتياح الامريكي للعراق عام الفين وثلاثه. فالشركات الاسرائيلية التي تعمل في الاقليم يديرها ضباط متقاعدون من الاستخبارات الاسرائيلية لكنهم عاملون في حقيقة الامر، وهم مصدر الامداد الاستخباري لاسرائيل.
ووفقا للمعطيات التي تظهر ملامحها في المنطقة في السنوات الاخيرة، فان هناك ادوارا وزعت وقسمت لتنفيذ مشروع يستهدف العراق وسوريا، ويتعلق المشروع بجملة من المفاهيم في مقدمتها الطاقة والمياه، ففي عام الفين وخمسة، تحدث بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي عن ضرورة احياء خط البترول الرابط بين كركوك الموصل مرورا بسوريا وصولا الى البحر المتوسط لرسم خرائط جديدة للطاقة تخدم اسرائيل .
العلاقة بين اكراد العراق واسرائيل لم تعد سرا منذ سنوات، وقد اعلن عنها الطرفان في مناسبات عديدة، وكان التلفزيون الاسرائيلي قد اذاع صورة تعود الى الستينيات يظهر فيها مصطفى البرزاني والد مسعود البرزاني وهو يضم وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه دايان . وفي عام الفين واربعة، افادت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن اجتماعات بين مسؤولين اسرائيليين وزعماء سياسيين اكرادا، من بينهم البرزاني وطالباني وشارون واعلنوا معا عن علاقات طيبة بين الجانبين .
وفي عام الفين وسته قال مسعود البرزاني اثناء زيارته للكويت، ان اقامة علاقات بين كردستان واسرائيل ليس جريمه، اما في عام الفين واربعة عشر، فقد اعلن نتنياهو في خطاب علني تأييده لاقامة دولة كردية مستقلة، وفي الشهر الماضي كان نتنياهو المسؤول الوحيد في العالم الذي ايد الاستقلال الكردي، وخلال الاسابيع الماضية تم رفع علم اسرائيل عدة مرات في تجمعات شعبية كردية تؤيد الاستفتاء.
هذا بعض ما بين كردستان العراق واسرائيل، وبعض شواهد المصالح الاستراتيجية الاسرائيلية في تلك المنطقة التي تتوسط اهم اربع دول اقليمية في الشرق الاوسط، ومع ذلك فان ظروف المنطقة ومستجداتها قد أدت الى تجاوز الكثير من المحرمات، وهذا ما يجعل الاكراد اكثر جرأة في الاعلان عن علاقتهم مع اسرائيل . والمهم هو كيف يمكن مواجهة الاهداف الاسرائيلية، بعد ان اخترقت اسرائيل الكثير من ابواب العرب التي كانت مغلقة في وجهها؟.
الدستور 2017-10-05