ماذا بعد المصالحة ؟
المصالحة الفلسطينية حركت كل الأسئلة حول حاضر القضية الفلسطينية ومستقبلها: ما هي الوصفة السحرية المصرية التي نجحت في انهاء الأنقسام الفلسطيني المزمن، وهل هي مصالحة وطنية حقيقية أم مصالحة وهمية، ما مدى تاثير التطورات الأقليمية على الواقع الفلسطيني الجديد، ما هو مصير سلاح حماس، وما هي الخطوات الجديدة على المسار الفلسطيني–الإسرائيلي؟
شريط من الأسئلة يمتد من رام الله الى غزة فيه الكثير من عناصر الإثارة والدهشة التي ما زالت تحجب الأجوبة حتى هذه اللحظة، ولكن عندما نتقدم في الطريق ستتضح لنا معالمها، لأن الكل ينتظر تلاشي الغموض وظهور التفاصيل الحقيقية والأجوبة الواضحة على كل الأسئلة والتساؤلات التي يطرحها المراقبون والمتابعون وقبلهم ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، الذي عبّر عن موقفه بالإبتهاج والترحيب والسعادة الطارئة الموشحة بالأمل.
صحيح ان المصالحة حركت المشترك في المشاعر الوطنية العفوية التي يتسلح بها الشعب الفلسطيني بكل اطيافه وفصائله وتلاوينه السياسية وفئاته الإجتماعية، ولكن عندما شاهدنا استقبال رئيس حكومة الوفاق الحمدالله لدى وصوله الى القطاع ادركنا أن للمصالة الوطنية في غزة لها طعمها الخاص ووقعها المميز، رغم ان جرح غزة اكبر من صوتها، استيقظ الغزاويون ليواجهوا ما حولهم من نار وحصار وجوع وقلق، بعد انتظار ثقيل مؤلم وصمود اسطوري، في زمن غابت فيه النخوة العربية في وقت الشدة.
الحقيقة أن الشعب الفلسطيني مل مشاهدة صورالمصافحة بين قادته في الضفة والقطاع، والتي كانت تنتهي بلا مصالحة لأكثر من مرة وفي اكثر من عاصمة عربية، والتي كان يخسرالجميع بعدها نعمة الحوار واستبدالها بلغة الخناجر وغضب الحناجر و»العداء الأخوي»، حتى ضاق الخناق على الجميع، إلا أن مصر هذه المرة وضعت ثقلها وعمقّت دورها من أجل حل هذه المسألة، وحماية حدودها، خصوصا أن غزة هي خاصرة سيناء التي ألهبها الأرهاب واتعبها.
ولكن التجربة المرة في صحيفة السوابق للتنظيمات المتصالحة تضطرنا الى الترحيب بالمصالحة الوطنية الفلسطينية بحذر شديد، رغم ايماننا بان حبة الندى تبشّر بقدوم المطر خصوصا في تشرين الذي حل حاملا معه نسمة باردة في هذه الأجواء الملتهبة.
يبقى التساؤل المفصلي الأهم حول التحدي الأكبر الذي تواجهه المصالحة الفلسطينية، ويتمحور حول الموقف الأسرائيلي الحقيقي السري والمعلن، فالى أي حد تسمح حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل باعادة تركيب ما تفكك في الجسد والروح والزمن والوطن الفلسطيني؟
الذين يعرفون الصهيونية جيدا يؤكدون ان فكر الحركة لا يؤمن بالسلام العادل الذي ما زال غائبا، لذلك ستوظف اسرائيل قسوة المجتمع الدولي وتجاهله القضية الفلسطينية، اضافة الى استغلال غياب قوى الضغط العربية والدولية، من اجل تحويل المصالحة الوطنية الى مصالحة وهمية، ووضع عراقيل ومصاعب في طريق انتقال المصالحة من النظرية الى حيّز التطبيق الفعلي، واولها مسألة سلاح حماس وذراعها المسلح، واعتراف الحركة باسرائيل، وامكانية شن عدوان جديد على غزة، او افتعال حرب محدودة جديدة ضد حزب الله، او في الجولان.
الحقيقة ان الزمن العربي الذي انسحب الى الخلف ترك لاسرائيل عصرها تتحرك فيه بلا قيود أو ضغوط لتحقيق اهداف الحركة الصهيونية التوسعية، بعدما وظفّت الزمن لصالحها، فالحكومة المتطرفة اليمينية في تل ابيب أعادت احياء الإصرارالخرافي على تحقيق الحلم، بل الوهم الصهيوني القديم، من خلال اطالة عمر الإحتلال، لتمكينها من تهويد القدس، وضم المزيد من الأراضي المحتلة، والنشاط الإستيطاني بهدف خلق واقع جديد يجعل من المستحيل اقامة دولة فلسطينية متصلة قابلة للحياة.
ولكن ليس بالضرورة ان تكون الطريق أمام الأسرائيليين سهلة وسالكة الى هذا الحد، فصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وفي دياره بقوة الإرادة ووضوح الطريق، واستخدام كافة الخيارات يفشل كل المخططات، لأننا نعرف ان الإسرائيليين ما زالوا يعانون من المأزق الوجودي.
الراي 2017-10-05