المفاوضات الأميركية مع "حماس"
تعكس ردة الفعل الأميركية على المصالحة الفلسطينية الداخلية صورة مشهد ربما تكون تفاعلاته جرت تحت السطح، ولكن هناك ما يدل عليها، بدءًا مِن وثيقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) (أيار\ مايو الفائت)، تلاه التفاهمات المصرية الحمساوية (تموز\ يوليو)، والمصالحة الحمساوية- الفتحاوية (سبتمبر\ أيلول).
من وجهة النظر الأميركية – الإسرائيلية، فإنّ المطلوب دخول كل الفلسطينيين في حالة التعاطي الهادئ مع الأمر الواقع (الستاتيكو) القائم.
لم تقم الحكومة الإسرائيلية، على الأقل حتى كتابة هذا المقال، بالهجوم على اتفاقيات المصالحة، أو تحاول عرقلتها علناً، وذلك على عكس مواقفها إزاء اتفاقيات سابقة، عندما كان يجري إعلان مواقف حادة، والهجوم على الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، باعتباره لا يصلح شريكاً للمفاوضات، كما حدث مثلا عندما وقّع اتفاق عام 2014 لتشكيل حكومة وفاق فلسطينية.
أمّا أميركيّاً، فلم تكتف الإدارة الأميركية بالصمت، بل أعلنت المباركة، فبحسب بيان صادر عن جيسون غرينبلات، ممثل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للمفاوضات الدولية، ما يجري "يوفّر مُتطَلَبات تولي السلطة الفلسطينية مسؤولياتها الكاملة في قطاع غزة"، وبينما أدى فوز "حماس" بانتخابات 2006، لتعطل المساعدات الدولية، أشار غرينبلات إلى أن واشنطن "تمضي قدماً مع السلطة الفلسطينية، وإسرائيل، والمانحين الدوليين، لتحسين الوضع الإنساني في (قطاع) غزة".
ويفسر بيان غرينبلات الموقف الأميركي فهو "يؤكد أنّ أي حكومة فلسطينية يجب أن تلتزم بدون غموض وصراحةً باللاعنف، والاعتراف بدولة إسرائيل، والقبول بالاتفاقيات السابقة والالتزامات بين الأطراف والمفاوضات السلمية"، وهذا قد يكون الهدف الأميركي من قبول المصالحة، بناءً على تفاهمات مضمرة مع أطراف منها "حماس".
هناك مفاوضات تجري بين "حماس" والولايات المتحدة الأميركية، وهي سرية، أو ضمنية وغير مباشرة، عبر أطراف أخرى، والإعلام جزء منها. ويمكن مقارنة ما يحدث الآن بين "حماس" وواشنطن، مع ما حدث مع القيادة الفلسطينية في الثمانينيات.
عَقب إعلان وثيقة "حماس" منتصف هذا العام، توجّه رئيس الحركة السابق، الذي كان في أيامه الأخيرة في منصبه الرسمي (خالد مشعل)، ومن على شاشة شبكة تلفزيون CNN، الأميركية، وقال رداً على سؤال إذا كانت الوثيقة تعكس تغيراً في "حماس"؟ فأجاب "بالتأكيد"، وشدّدَ بِشكل خاص أنّ مضامين الورقة "تفتح المجال للدول الغربية للتعامل معها"، ودعا الرئيس الأميركي للوصول لحل منصف (equitable ) للشعب الفلسطيني، ووصف إدارة ترامب بالشجاعة، ودعاها لتحقيق إنجاز تاريخي، وقال "هذه مناشدة لإدارة الرئيس ترامب". وعندما أراد توضيح أهم التغيرات في "حماس"، قال إنها "متحمسة للديمقراطية ونتائج الانتخابات". فهل التفاهم الداخلي الحالي (الديمقراطية) طريق لما بعده؟
في الثمانينيات، كانت المفاوضات مع ياسر عرفات عبر دول عربية وغربية، بشأن ما على منظمة التحرير الفلسطينية أن تعلنه من مواقف لتصبح شريكاً مؤهلاً في جهود التسوية السياسية، ولوضع أسس الحل السياسي معها. وكانت المواقف الفلسطينية تُعلَن بوثائق رسمية (مثل إعلان الدولة عام 1988)، ومؤتمرات صحافية لعرفات.
قد يكون مشعل يواصل دورا في الاتصالات الدولية، لصالح القيادة الرسمية الحالية، المتمركزة في غزة، أو ربما غيره يقوم بهذه المهمة، وعلى الأغلب لعب توني بلير رئيس اللجنة الرباعية الدولية السابق، والذي زار غزة والتقى مشعل في الدوحة، دوراً في الاتصالات. وربما يكون الموقف الأميركي الحالي؛ عدم التشدد في معارضة "حماس"، وتخفيف المعاناة في غزة، هو ثمن وثيقة "حماس" سالفة الذكر، وثمن تهدئة الجبهة في غزة. ولكن سيكون هناك الآن جولة مفاوضات جديدة. فحماس، تريد عدا الخروج من مأزق غزة، دخول الحلبة السياسية الدولية، ولكن مع محاولة تفادي الاعتراف بإسرائيل، وعدم إعلان موقف ضد الكفاح المسلح. فيما ستكون المطالب الأميركية أن تعلن "حماس" ذلك صراحة، وتفرض علناً وقف المقاومة المسلحة على عناصرها.
قد تكون مفاوضات المرحلة المقبلة، حول كيف يمكن لحماس أن تلتزم بأمور معينة، عبر توكيل الرئاسة والحكومة الفلسطينيتين، لقبول مطالب أميركية، مقابل عدم وضع "فيتو" على دور الحركة السياسي. وفي مرحلة تالية، ستطالب "حماس" بموقف بالنسبة لإنهاء الاحتلال، والاعتراف بها علناً، مقابل أن تعلن المزيد من المواقف. ولكن عندما يبدأ حديث "حماس" عن الحل السياسي، عمليّاً، ستعاود إسرائيل الهجوم عليها، سياسياً وعسكريّاً.
الغد 2017-10-05