المصالحة الفلسطينية خيار وحيد
تفتح المصالحة الفلسطينية الداخلية، والتطورات الحاصلة على صعيد العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح مع حركة حماس، بابا واسعا للأمل للشعب الفلسطيني بعد سنوات من الإحباط وتكريس الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، ولا نبالغ إذا قلنا إن عودة الوحدة لجناحي الوطن المحتل واكتمال المصالحة حقا على الأرض، سيشكلان ربيع الشعب الفلسطيني الخاص، الذي يحقق فيه الشعب شعاره الأساس.
قد يكون تحليل واستقراء الأسباب والمعطيات التي دفعت الطرفين إلى العودة للتلاقي وإحداث اختراقات حقيقية في ملف المصالحة الفلسطينية أمرا إشكاليا وفيه تباينات، لكن الثابت أن المصالحة والوحدة الوطنية وتوحيد الجهود الفلسطينية بقيت الشعار العام والأساسي للشعب الفلسطيني وجماهيره خلال سنوات الانقسام البغيضة، وبقيت هي الشرط الرئيسي لتصليب الموقف الفلسطيني وتعزيز قوة صمود الشعب الفلسطيني بمواجهة الاحتلال الاسرائيلي الذي انقلب على كل الاتفاقيات والتفاهمات التي عقدها مع السلطة الفلسطينية منذ "أوسلو" وأمعن في استيطانه ومصادرة الأرض والمقدسات والحقوق الفلسطينية.
لم يكن الشعب الفلسطيني ليقتنع بأن اختلاف البرنامج بين حماس وفتح هو أساس الانقسام والخلاف المتواصل منذ 2007، بل وضع الرأي العام الفلسطيني هذا التمسك بالانقسام ضمن صراع السلطة والغنائم بين الطرفين بغض النظر عن الشعارات التي رفعت، لأنه، وببساطة شديدة، فان المستفيد الأول من الانقسام وتشتيت الجهد الفلسطيني هو الاحتلال الاسرائيلي، والخاسر الأول من هذا الانقسام كان وما يزال هو الشعب الفلسطيني وقضيته وقدرته على حشد طاقاته الوطنية بمعركة الصمود بوجه الاحتلال ومخططاته بالفصل العنصري والتطهير العرقي والتهجير والاستحواذ على الأرض.
لا يستطيع أي من الطرفين على جانبي الانقسام الفلسطيني أن يدّعي اليوم أن برنامجه، سواء انحاز أكثر باتجاه خيار المقاومة المسلحة أو انحاز باتجاه المفاوضات والعمل السياسي، قد حقق نتائج إيجابية للشعب الفلسطيني، فما خسرته قضية الشعب الفلسطيني منذ انطلاق شرارة الانقسام كان كبيرا، وهي خسارة لا ينكرها إلا أعمى!
اليوم يقف الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية على مفترق طرق حقيقي، فما جرى على صعيد المصالحة الوطنية بوساطة مصرية مقدّرة، ما يزال دونها العديد من العقبات والاختبارات على الأرض، فسنوات الانقسام وما ترتب عليها من هياكل ومؤسسات ومصالح، ناهيك عن حملات التخوين والتشكيك المتبادلة، باتت تحتاج إلى ما هو أكثر من النوايا الحسنة والرغبة في المصالحة وإعادة توحيد شطري الوطن المحتل، دع عنك أن اسرائيل لن يكون من مصلحتها تحقق الوحدة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها اهم اسلحة الشعب الفلسطيني.
كما أن القصة اليوم هي أكبر من عودة حكومة الدكتور حمدالله الشرعية إلى غزة لممارسة سلطاتها هناك، او حتى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية على مستوى الوطن، فالمطلوب من الطرفين، بل من كل مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، التوافق على برنامج وطني للبناء والمقاومة للاحتلال، والمقاومة هنا ليست ببعدها العسكري فقط، بل تحمل مروحة واسعة من الخيارات ونقاط القوة التي يملكها الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ولا تستثني جانبا من أوجه المقاومة؛ العسكرية والشعبية والسياسية وغيرها.
ليس شيطانا واحدا، بل شياطين كثيرة ستظهر بتفاصيل المصالحة الفلسطينية وجهود الوصول إلى توافقات وطنية قبل التمكن من إعادة ترميم البيت الفلسطيني والتفرغ لقيادة الشعب الفلسطيني في مواجهته اليومية لأبشع احتلالات التاريخ وآخرها. لن نسمح للتعقيدات وترسخ الخلافات والتباينات الواسعة بين فتح وحماس أن تدفعنا لليأس والإحباط وتوقع الفشل للجهود الوطنية الجديدة، فالشعب الفلسطيني، الذي يضّحي ليل نهار رغم كبر المعاناة، لم يعد بقادر ولا بمتسامح مع استمرار الانقسام، الذي يعد حقا أخطر ما واجهه هذا الشعب في تاريخه النضالي الطويل.
الغد 2017-10-05