ما بعد المصالحة.. انتخابات للسلطة أم لمنظمة التحـريـر؟
تحدث عن المصالحة بعيدا عن شيطان التفاصيل التي قد تعطّل مسيرتها، ونتفاءل بإمكانية استمرارها ونجاحها، ونتحدث تبعا لذلك عن الخطوات التالية، والتي من أهمها الانتخابات، متجاوزين قضية السلاح، وآملين أن لا تؤدي لمعضلة.
تقليديا؛ ومن ضمنها هذه المرة، لا حديث عن المصالحة، إلا ويُتبع بلازمة عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة، بصرف النظر عن موعدها، ويُفهم بالطبع أن الانتخابات ينبغي أن تجرى وفق نظام القائمة النسبية بسبب استفادة حماس في 2006 من النظام السابق (نصف للقائمة النسبية وآخر للدوائر)، حيث حصلت في القائمة النسبية على حوالي 45% مقابل أقل من 42% لحركة فتح، بينما حصلت على حوالي ثلاثة أرباع الدوائر.
ويبدو أن قيادة السلطة على ثقة بقدرتها على كسب تلك الانتخابات؛ ليس قناعة بشعبيتها بالطبع، وإنما لاعتبارات أخرى، من أهمها قراءتها لوضع حماس في الضفة الغربية حيث تبدو الحركة في حالة صعبة بسبب الضربات المتوالية التي تلقتها منذ الحسم العسكري صيف 2007، وربما قبل ذلك، فضلا عن قناعتها بإمكانية التحالف مع قوى اليسار لضمان الفوز.
ما ينبغي أن نؤكده هنا هو أن الرفض الذي نسجله هنا لمسار الانتخابات لا يتعلق البتة بمنطق الخوف من نتائجها كما سيذهب بعض صغار العقول (كان هذا موقفنا دائما)، بل نفعل ذلك من منطلق سياسي يتعلق بمصير السلطة والقضية برمتها. مع التذكير بأن عاقلا لا يمكنه استبعاد حصول حماس على الغالبية أو المرتبة الأولى، لكن ماذا لو حدث ذلك؟ ألن يعود المشهد إلى ذات المسلسل القديم؟ حيث لن يسلم القوم سلطة الضفة لحماس، بينما سيُفرض الحصار، وتبدأ المؤامرات للالتفاف على النتيجة.
لقد صُممت السلطة لخدمة برنامج الاحتلال، أمنيا وسياسيا واقتصاديا (وصفها الكاتب الإسرائيلي عكيفا إلدار بأنها “الاختراع العبقري المسمى سلطة فلسطينية”). وهي تمنح الإسرائيليين ما يسمى بالاحتلال “الديلوكس” أو الاحتلال الفاخر، حيث صورة الاحتلال لم تعد هي ذاتها (هنا دولتان تتنازعان حول قضايا تفصيلية مكانها طاولة المفاوضات). واقتصاديا حيث لا يتحمل الاحتلال المسؤولية عن حياة المدنيين الواقعين تحت ولايته بحسب اتفاقيات جنيف، وأمنيا حيث لا يتواجد بجنوده وموظفيه المدنيين داخل المدن والقرى، مما يعرّضهم للموت والإصابة بضربات المقاومة، بل يتواجد خارجها؛ يدخل وقت يشاء، بالطريقة التي يشاء، ويعتقل ويقتل من دون التعرض لأي أذى، بدليل أن مسلسل الاعتقالات والاجتياحات لم يتوقف طوال الوقت.
أما ديمقراطية السلطة، فإما أن تكون في خدمة الاحتلال أو لا تكون (يمكن للاحتلال أن يعتقل نواب حماس في ساعات كما حصل مرارا).
في ضوء ذلك، يبدو من العبث الحديث عن مصالحة فلسطينية عنوانها انتخابات رئاسية وتشريعية، لأن جوهر هذه اللعبة هو التنافس على السلطة، وهو تنافس يفضي إلى الصراع وليس الوحدة، لأن الوحدة لن تكون إلا على خيار المقاومة، أو تجسيده على الأرض بتعبير أدق، لا سيما أن فلسطين، كل فلسطين ما تزال محتلة.
إنها انتخابات إما أن تكون نتيجتها فوزا جديدا لحماس يعيد مسلسل الحصار من جديد، وإما فوزا لفتح ومن يتحالف معها، والنتيجة هي تكريس سلطة صُممت لخدمة الاحتلال، ومعها ديمقراطيتها التي إما أن تكون كذلك أو لا تكون.
الفلسطينيون اليوم في حاجة إلى مرجعية تعبر عنهم. أعني كل الفلسطينيين في الداخل والخارج. وحماس، وكذا الجهاد تؤيدان أن تكون منظمة التحرير هي تلك المرجعية، على أن يُعاد تشكيلها على أسس ديمقراطية، وهنا يمكن إجراء انتخابات في الداخل وفي الخارج بما أمكن وصولا إلى قيادة جماعية منتخبة للشعب الفلسطيني تحدد مساراته السياسية (يجب أن يتوقف تهميش الشتات الفلسطيني في معادلة القضية)، وبعد ذلك أو قبله الاتفاق على أن تبقى السلطة كيانا يُدار بالتوافق، ويقوم على شؤون الناس في الضفة والقطاع.
هذا هو المسار الوحيد الذي يجمع الفلسطينيين في الداخل والخارج، أما السلطة فلا تعبر إلا عن جزء من الشعب الفلسطيني، وأية مصالحة على قاعدة وفائها بالتزاماتها، لن تؤدي إلا إلى تيه جديد للشعب والقضية.
سيقال إن الوضع العربي الرسمي لن يقبل بتصعيد من هذا النوع يقلب الطاولة في وجه المحتلين، وقد يصحّ ذلك نسبيا، لكن الشعب الفلسطيني قادر على فرض إرادته، لا سيما أن فوضى المشهد الدولي والإقليمي قد تساعد في ذلك.
الدستور 2017-10-07