الشلة والمؤسسة والدولة
في رصد المدد الطويلة التي تنتج التغيرات الثقافية والاجتماعية علينا ان ننتبه الى التعبيرات السياسية التي تظهر على السطح ونبحث عن مرجعيتها الطبقية، كيف تنتج التحولات الطويلة أدوات تعيد تشكيل الحكم والسياسة اليومية والتعبيرات الثقافية. هذا الدرس ممكن ان نقرأة في التحولات التي يشهدها الأردن؛ كيف باتت التحولات تفرز أنماطا جديدة من أدوات النفوذ الملتصقة بالسلطات وبمؤسسات صناعة القوة سواء في المجتمع أو في الدولة؛ كيف انتقل المجتمع الأردني من هيمنة القبيلة والعشيرة دون أن يغادرها إلى هيمنة العائلات واليوم كيف ينتقل بسرعة إلى هيمنة الشلة السياسية والمجموعات المصلحية الضيقة دون أن يغادر تماما نفوذ العشيرة أو نفوذ العائلة.
طور المجتمع الأردني في كنف الدولة مؤسسات متماسكة، ولكنها كانت غالبا منزوعة القوة، لذا فإلى جانب المؤسسات النظامية ثمة مؤسسات غير نظامية تنشأ في كل مرحلة سواء في الظل أو في العلن، هذا يحدث في الكثير من المجتمعات حيث تنمو المؤسسات الموازية في الظل دون ان تنتزع كل مصادر القوة أو أن تصل إلى حد أن تجعل المؤسسات النظامية تسهر في تنفيذ أجندة مؤسسات الظل مهما كانت.
نلاحظ في آخر عقدين أن عائلات باتت تحتل دورالقبيلة أو العشيرة في الحياة السياسية، والمقصود هنا العائلة السياسية المكونة من الأب والأم والأبناء والبنات والأحفاد والأنسباء والأصهار، وأحيانا أبناء العم؛ أولئك الذين تتوفر لهم مظلة سياسية اجتماعية للحصول على الامتيازات والمناصب العامة والثروة؛ أي تجميع عناصر القوة واستخدامها، وذلك بالثروات وبالهندسة السياسية والاجتماعية التي تعمل لحساب مجموعة صغيرة تمدها بعناصر القوة والاستمرار في النفوذ. اما الشلة السياسية فهي مجموعة من الأصدقاء أو أشباه الأصدقاء الذين تجمعهم علاقات مصلحية واحدة، وتوافق ظاهري لا يشترط ان يكون صادقا في القيم والاتجاهات؛ ولكن يشدهم خيط واحد.
لم نفتقد الشلل السياسية في الحياة العامة ودائما كانت موجودة ولكن ليس بهذه الوفرة وهذا النفوذ، إنها شلل سياسية تبدو أحيانا مغلقة ولكن لا بأس إنْ كانت لها امتدادت في البيروقراط الرسمي وفي الإعلام وفي المجموعات التي تحسب على تيارات ثقافية وسياسية مغايرة، الشلل الجديدة دائما لديها التصاق بمؤسسات القوة بشكل أو بآخر وتلعب أدوارا متداخلة وغامضة في التأثير والتأثر.
صعود الشلل السياسية لا يعني صعود النخب بالمفهوم الاجتماعي والسياسي، وهي ظاهرة لا تعبر عن المفهوم التاريخي للنخبة ودورها في الحياة العامة، بل العكس إن المجتمع عاجز عن إنتاج نخب قادرة على العمل بموازاة المؤسسات، وتعبر عن عجز آخر أن المؤسسات التقليدية عاجزة عن إنتاج أدوات ديمقراطية للمشاركة، يحدث ذلك في مجتمعات الانتقال الطويل؛ تلك المجتمعات التي تتحدث كثيرا عن المشاركة بدون مشاركة فعلية؛ ولا تتوقف عن إجراء الانتخابات دون تمثيل حقيقي؛ وأيضا تتحدث عن الرأي العام وفي الأغلب تعجز عن إنتاج رأي عام أو توافق عام، فيما تحاول الشلل السياسية وارتباطاتها الإعلامية تصنيع الرأي الذي تريده والتعبير عنه، وكأنها هي من يمثل الرأي العام وهذا الأقسى فيما يحدث.
المجتمعات التي لا تهتم بالشأن العام، لا مكانة لها لدى من يصنعون الشأن العام؛ هذه المسألة تحفر عميقا في ضعف التغير الاجتماعي والثقافي وعدم قدرة الأفراد والمجتمعات على التوافق حول فكرة الصالح العام. إنها مسألة أكبر من السياسة اليومية.
الغد 2017-10-08